رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأسرة السعودية ما بين ثقافة الاستهلاك وصعوبة الاستثمار

أصبح المجتمع السعودي استهلاكيا أكثر من غيره، نتيجة تأثير الطفرات الاقتصادية التي شهدتها المملكة، ما أحدث خللا في القيم الاستهلاكية، أدى إلى ثقافة جديدة وسلوكيات إسراف وتبذير ومبالغات مخجلة اعتقادا من البعض أنها تعكس زيادة كرم الضيافة. وهذه الثقافة جعلت كثيرا من الأسر لا يعير الادخار اهتماما كافيا، (انفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب)، خاصة في ظل الظروف التي تعصف بالمنطقة. والوضع الحالي يتطلب من الأسر إعادة النظر في أوضاعها المادية واستثمار مواردها للمستقبل، من أجل ضمان استقرار مستوى معيشتها ورفاهيتها وتجنبيها مخاطر الدخول في دائرة الفقر والحاجة. وفي ظل الظروف السياسية الصعبة التي تعانيها المنطقة العربية برمتها، وانخفاض أسعار البترول، يلاحظ أن بعض الأسر لم تستوعب هذه الظروف ولم تستشعر أهمية تقليص معدل الإنفاق وزيادة معدلات الادخار والاستثمار للمستقبل.
وفي هذا الخصوص، تشير بيانات مسح الإنفاق الأسري لعام 2013 إلى أن متوسط الدخل الشهري للأسرة السعودية يصل إلى 13610 ريالات، مقارنة بنحو 14084 ريالا في عام 2007، وذلك بنقص يصل إلى 3.4 في المائة. وفي المقابل بلغ متوسط إنفاق الأسرة السعودية على مجموعة السلع والخدمات الاستهلاكية وغير الاستهلاكية 15367 ريالا، وذلك بزيادة تصل إلى 16 في المائة عما كان عليه في عام 2007، والبالغ 13251 ريالا. ومع الاعتراف بأن الإحصاءات المذكورة آنفا لا تعبر عن الاستهلاك والادخار بدقة، كونها متوسطات تخفي وراءها كثيرا من التفاصيل، فإنها تبقى مؤشرات مهمة لا ينبغي تجاهلها. فعلى الرغم من انخفاض متوسط دخل الأسرة بنسبة 3.4 في المائة، فإن متوسط الإنفاق ارتفع بمعدل 16 في المائة، ما يعكس العجز المتمثل في نحو 1757 ريالا، في حين كان متوسط الإنفاق في عام 2007 أقل من الدخل، ما يعكس فائضا يصل إلى 833 ريالا.
والحقيقة أن معظم الأسر السعودية استهلاكية بدرجة كبيرة، وقليل منها يستشعر أهمية الادخار والاستثمار، ولكن لا تجد مجالا آمنا للادخار والاستثمار، فلا بد من الاعتراف بأن مجالات الاستثمار الآمن محدودة، فعلى سبيل المثال، قضى سوق المال "الاستثمار في الأسهم" على كثير من مدخرات الأفراد والأسر، نتيجة التلاعب بالسوق وتضخيم رؤوس أموال الشركات قبل طرحها للاكتتاب العام، وكذلك ضعف الرقابة وعدم الانضباط. كما أن المساهمات العقارية والمضاربات في سوق العقار والتخوف من انخفاضه، كلها سببت كثيرا من المشكلات المالية للأسرة السعودية. وفي ظل هذه الظروف الحالية، لا تجد الأسر مجالا آمنا لاستثمار مدخراتها، وتبقى عرضة للهزات المالية، والاستهلاك المفرط، خاصة مع الثقافة الاستهلاكية السائدة في المجتمع.
وبناء على ما سبق، هناك حاجة إلى رفع وعي الأسرة وثقافتها الاقتصادية من أجل الموازنة بين العناصر الثلاثة: الاستهلاك والادخار والاستثمار، وتجنب الانغماس في الديون التي تؤثر في مستويات معيشة أفراد الأسر وتعليمها وصحتها، وذلك من خلال ما يلي:
1. إيجاد دورات تثقيفية مناسبة لا يكون هدفها ماديا كما هو الحال في كثير من الدورات الأسرية التي تقدمها المراكز التدريبية التجارية.
2. هناك حاجة ماسة إلى إطلاق برنامج إرشادي لمساعدة الأسر على تنويع استثماراتها في مجالات آمنة وقليلة المخاطر، كون الاستثمار هو صمام الأمان ضد ما يخبئه المستقبل من مفاجآت.
3. إيجاد برامج للتوفير للأطفال وكذلك للشيخوخة للمساعدة على تجاوز الظروف الطارئة التي ترمي الأسر في دوائر الفقر والحاجة.
4. ينبغي أن تكون البنوك أكثر إبداعا في توفير خيارات استثمارية وادخارية آمنة تكون في متناول الأسرة.
5. تقليص تكاليف سكن الأسرة من خلال استقدام شركات عالمية تقدم خدمات الإنشاء بأسعار معقولة وجودة عالية تقلص من هدر الأسر في إنشاء مساكنها، إذ يمثل إنفاق الأسرة على السكان أكثر من 21 في المائة.
6. الحد من الغش والاحتيال في بيع السلع والخدمات مثل قطع الغيار، التي تستنزف مدخرات الأسر.
7. لا تزال أسعار الاتصالات عالية تستنزف نسبة كبيرة من دخل الأسرة، ما يتطلب إيجاد خيارات أفضل، إذ تزيد نسبة إنفاق الأسرة على الاتصالات 6 في المائة.
وأخيرا بعد شكري وتقديري للهيئة العامة للإحصاء على إتاحة كثير من الإحصاءات المهمة، أتمنى أن يجرى مسح الدخل والإنفاق الأسري كل ثلاث سنوات بدلا من خمس، ويمكن أن يكون مسحا ديموجرافيا شاملا لترشيد التكلفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي