هل حولنا القبول في الجامعات إلى أزمة؟

في كل عام، وفي مثل هذا الوقت، ومع اشتداد حرارة الجو، وارتفاعها يرتفع مستوى القلق، والتوتر عند الناس ترقبا لنتائج القبول في الجامعات، ومؤسسات التعليم العالي، فالقبول أصبح مزعجا للأفراد، والأسر، كما أن الجامعات ومؤسسات التعليم العالي تعاني هي أيضا الضغوط الاجتماعية، والرسمية التي تمارس عليها لمزيد من أعداد المقبولين.
عوامل عدة تتداخل فيما بينها لتشكل الأسس التي على ضوئها تتم عملية القبول، أول هذه العوامل أعداد الخريجين من الثانوية العامة، فالعدد يزداد عاما بعد عام، وليس من الصعوبة معرفة مقدار الزيادة، ونسبتها، إذ قد أجريت مع بعض الزملاء عام 1418 دراسة لمصلحة وزارة التعليم العالي حول التعليم العالي في دول مجلس التعاون الخليجي، أبرزنا فيها ملامح وواقع التعليم العالي، وتوجهاته، وعلاقته بسوق العمل مع مؤشر تنبئي لكل دولة بشأن عدد خريجي الثانوية العامة لعشر سنوات تمتد إلى عام 1427، ومن متابعتي لخريجي الثانوية العامة في السعودية تبين لي دقة التنبؤ، لذا ليس من المستحيل معرفة كم ستقبل الجامعات، وكم نحتاج إلى زيادة في عدد المقاعد، والتوسع في الجامعات، ومؤسسات التعليم العالي.
العامل الآخر المؤثر في القبول سوق العمل، واحتياجاته، فالجامعات مطالبة بتخريج ما يحتاج إليه سوق العمل، وفي الوقت نفسه قبول أكبر عدد ممكن من خريجي الثانوية، وهذا المطلب منطقي، إلا أن سوق العمل، واحتياجاته، والتغيرات التي تطرأ على هذه الاحتياجات ليس من مهمات الجامعات، ومؤسسات التعليم العالي، إذ توجد جهات حكومية يدخل هذا في مهماتها، كوزارة التخطيط، ووزارة العمل، والخدمة المدنية وغيرها من الجهات، ولعلي أبرز حقيقة مفادها أن بعض الجهات قد لا تعرف احتياجاتها المستقبلية، فعندما كنت في عمادة كلية التربية كنت أخاطب وزارة التربية والتعليم، والرئاسة العامة لتعليم البنات لمعرفة احتياجاتهم من المعلمين في التخصصات المختلفة لنأخذ هذا في الاعتبار عند القبول، لكن الاستجابة لا تكون بالشكل المطلوب.
من العوامل المؤثرة في القبول، وسياساته الطالب في قدراته ورغباته، إذ لا يمكن إجبار الطالب على تخصص لا يرغب فيه، أو لا تتوافر لديه القدرات اللازمة لهذا التخصص، حتى ولو كان سوق العمل بحاجة إلى التخصص، سوق العمل ومتطلباته تمثل عاملا مؤثرا في القبول، فكلما زادت الأعداد المقبولة عن الطاقة الاستيعابية للجامعة، أثر في جودة المخرجات، ومن ثم المخرجات الضعيفة في مهاراتها، ومعرفتها تجد صعوبة في قبولها في سوق العمل.
في السنوات التي كان عدد الجامعات سبعا تدخلت الجهات العليا، وطلبت من الجامعات زيادة أعداد المقبولين، لكن هذا كان على حساب الجودة، إذ قبل الطلاب في تخصصات لا يرغبون فيها، أو أنها غير مطلوبة في سوق العمل، ولذا تخرجت أعداد لم تجد لها مكانا تعمل فيه، ومن ثم صوبت أسهم النقد للجامعات التي أسهمت في قبول الطلاب لرفع مستوى المعرفة، والثقافة، وانتشالهم من مخاطر البطالة المبكرة. ومن الحقائق التي تغيب عن بعض الكتاب، ومن يتناولون هذا الموضوع أن من الحلول التي لجأت إليها الجامعات لزيادة المقبولين إيجاد كليات المجتمع بمسارين مسار الدبلوم لمدة عامين ليتخرج الطالب، ويلتحق في سوق العمل، أما المسار الثاني فتعطى الفرصة فيه للطالب لإكمال دراسته الجامعية إذا تحققت لديه الشروط المقرة.
تخرجت أعداد كبيرة من كليات المجتمع، وواجه خريجوها صعوبات جمة في الدخول لسوق العمل بحجة ضعف المهارات، وضعف المعرفة، وكتب عن ذلك كثير في الصحافة، وتم لوم الجامعات على ذلك، ومع تصريح مسؤولي وزارة التعليم بأن هناك ما يزيد على 160 ألف مقعد في الجامعات تنتظر من يلتحق بها لا بد أن نسأل، هل هذه المقاعد تخدم حاجة سوق العمل، أم أن الأمر مجرد قبول فقط لإسكات، وإرضاء الناس لفترة، ثم نعود ونواجه المشكلة مرة ثانية.
إذا أردنا أن نخدم وطننا بشكل سليم من خلال برنامج التحول الوطني و"رؤية المملكة 2030" لا بد أن تقوم الجهات المعنية بدورها بمسح إحصائي دقيق للاحتياجات في كل المجالات، ورصد مستمر، وتنبؤ بالتحولات في سوق العمل لتكون البرامج في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في تصوراتها النظرية وفي تنفيذها بما يحقق متطلبات سوق العمل المهارية، والمعرفية بدلا من أن نستمر في محلك سر، وكل يلوم الآخر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي