«البيشمركة».. رهان واشنطن «الأغلى» في معركة الموصل

«البيشمركة».. رهان واشنطن «الأغلى» في معركة الموصل
يتولى التحالف بقيادة واشنطن تنفيذ مهمة تدريب مجاميع كردية على يد قوات مشتركة من عدة جنسيات أوروبية.

في 12 تموز (يوليو) وقّعت الولايات المتحدة مذكرة تفاهم مع "حكومة إقليم كردستان" بشأن التعاون العسكري بين الولايات المتحدة والأكراد في المرحلة المقبلة من الحرب ضد التنظيم الذي اتخذ لنفسه اسم "داعش". وقد وقّع على الاتفاقية من الجانب الكردي كريم سنجاري القائم بأعمال وزير شؤون البيشمركة، في حين مثّلت الجانب الأمريكي إليسا سلوتكين القائمة بأعمال مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي. وفي أعقاب الاتفاق اجتمعت القيادة الكردية مع الجنرال جوزيف فوتل قائد القيادة المركزية الأمريكية في 14 تموز (يوليو)، تلا ذلك قيام آش كاتر وزير الدفاع الأمريكي بزيارة إلى أربيل في 24 تموز (يوليو) للبدء في التخطيط لحلف تعول عليه واشنطن كثيرا في معاركها ضد «داعش» لذلك تتكفل به ماليا وماديا بشكل كبير وفقا لمراقبين.

معركة في الأفق
تشكل هذه الاجتماعات، وفقا لتقرير أعده مايكل نايتس الباحث في معهد واشنطن للدراسات، إشارة إضافية إلى أن المعركة على الموصل تقترب بسرعة، وأنه من المتوقع أن يلعب أكراد العراق دوراً حاسماً في تطويق المدينة وتحريرها ثم إرساء الاستقرار فيها.
من الناحية الرمزية، أعرب المسؤولون الأمريكيون أخيراً عن امتنانهم للتضحيات التي قدمتها قوات البيشمركة، التي خسرت 1466 قتيلاً و8610 جرحى و 62 مفقوداً في حربها ضد تنظيم داعش، وفقاً لبيان صحافي أصدرته «حكومة إقليم كردستان» في 14 تموز(يوليو). وتعود أهمية هذه الخطوة إلى أن الزعماء الأكراد غالباً ما اشتكوا من أن الولايات المتحدة تفضّل تسليح جيش الحكومة الاتحادية العراقي وتجهيزه بدلاً من البيشمركة.
ووفقاً لمسؤولين من كلا الجانبين تحدث إليهم نايتس حول الاتفاقية، سيتم بموجب هذا الاتفاق تقديم مساعدات أمريكية جديدة إلى وزارة شؤون البيشمركة. وعلى الرغم من أن «حكومة إقليم كردستان» قد طلبت 197 مليون دولار شهرياً لتغطية نفقات الحرب المتزايدة، إلا أن البنتاجون عمد إلى ترشيد هذا المبلغ وتخفيضه إلى 60 مليون دولار. وتجدر الإشارة إلى أن مدة هذا الاتفاق محدودة، فهو يقتصر على تغطية التكاليف التشغيلية لقوات البيشمركة المنخرطة في عملية الموصل وذلك لفترة مشاركتها في العمليات العسكرية، التي يبلغ مجموعها نحو 415 مليون دولار. وتستمر المعدات العسكرية في التدفق إلى كردستان، بما فيها طائرات أمريكية وفرنسية وبريطانية وهنغارية محمّلة بالذخائر والأسلحة والإمدادات غير الفتاكة.
غير أن هذه الواردات لا تندرج في خانة "التسليح المباشر" للبيشمركة الذي طالب به المشرّعون الأمريكيون، ولكن منعته إدارة أوباما في حزيران (يونيو) 2015. وعلى الرغم من أن المساعدات بدأت تتدفق حالياً مباشرة إلى «حكومة إقليم كردستان»، إلا أن وزارة الدفاع العراقية هي التي تصادق على قائمة شحن الطائرات.

تدريب مكثف
إذا كان هناك أي شيء يتغيّر فهو حجم الجهود التي يبذلها التحالف ضد تنظيم داعش لتدريب البيشمركة وتجهيزها، وفعالية هذه الجهود. فمنذ كانون الثاني (يناير) 2015، يتولى التحالف تنفيذ مهمة تدريب 300 شخص على يد القوات الألمانية والإيطالية والبريطانية والفنلندية والهولندية والنرويجية والمجرية والأمريكية، وذلك في "المركز الكردستاني لتنسيق التدريب". وبين كانون الثاني (يناير) 2015 ونيسان (أبريل) 2016، تدرّبت في هذا المركز تسع مجموعات من قوات البيشمركة في خمس من قواعد «حكومة إقليم كردستان»، حيث تم تخريج نحو 500 جندي في كل دورة. ومع أن هذا التدريب كان مفيداً إلا أنه امتد أربعة أسابيع فقط وتركز أساساً على تكتيكات المفارز والفصائل التي تضم أقل من 40 جندياً. ولذلك تعتبر "الدورة التدريبية الحديثة للألوية" التي تجرى منذ نيسان (أبريل) 2016 خطوة كبيرة نحو الأمام. فهذه الدورة تمتد على 10 أسابيع وتتيح للوحدات اكتساب قدرٍ أكبر من المهارات والتماسك، كما تفسح المجال أمام إعطاء تدريب متقدم في مجال الإنقاذ في ساحة المعركة، والعمليات المضادة للدبابات والتكتيكات الدفاعية ضد الأسلحة الكيميائية. فضلاً عن ذلك، تتيح هذه "الدورة التدريبية" للوحدات العسكرية الأكبر بحجم السرية - أي تلك المؤلفة من نحو 100 جندي - إجراء تمارين على تنفيذ عمليات منسقة في بيئات [مواقع] حقيقية لحرب المدن مشابهة للموصل. وفي كلتا "الدورتين التدريبيتين" المنتهيتين حتى الآن اللتين شملتا 600 عنصر، تم استخدام مجموعة معدات أمريكية مخصصة للألوية، بعد أن كانت مجموعات المتدربين السابقة تستخدم خليطاً من المعدات المتفرّقة.
وحالياً، تتلقى كردستان المعدات المخصصة لها في حصة «حكومة إقليم كردستان» البالغة 353،8 مليون دولار من "صندوق تدريب وتجهيز العراق" المقدَّر بـ 1،6 مليار دولار والذي وافق عليه الكونجرس الأمريكي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014. وفي كل دورة من "دورات تدريب الألوية الحديثة"، يتلقى أفراد البيشمركة 36 قذيفة هاون ونحو 160 آلية تكتيتية وهندسية، وكذلك يتم تدريبهم على صيانة المعدات الجديدة.

وماذا بعد؟
على الرغم من أن هذه الخطوات مفيدة للأكراد، إلا أنه من الصعب التأكد مما إذا كانت مساعي التدريب والتجهيز ستستمر بعد عملية الموصل. إن أحد السيناريوات المحتملة هو أن تحزم قوات التحالف أمتعتها وتعود إلى بلدانها، تاركةً البيشمركة مرة أخرى بمعزل عن الدعم العسكري الدولي. ولعل هذا السيناريو هو ما تفضّله بغداد والأطراف الإقليمية الأخرى كإيران. وفي الواقع، سارع جبار ياور المتحدث باسم البيشمركة إلى دحض فكرة وجود قواعد عسكرية أمريكية دائمة في «إقليم كردستان» حين تحدث إلى موقع "روداو" في 20 تموز (يوليو)، ربما حرصاً منه على الحساسيات في طهران وبغداد. وفي سيناريو آخر - الذي قد يتأتي مثلاً عن انتخاب دونالد ترامب المناصر للأكراد رئيساً للولايات المتحدة - فيتمثل بتعاظم التعاون الأمني الأمريكي في كردستان ليصبح أكبر وأكثر دواماً. إلا أن الخيار الوحيد المتوافر، يختم نايتس، أمام الأكراد على المدى القريب هو تحقيق أقصى قدر من حسن النية بين الأطراف الدولية الفاعلة، عبر التعامل بتوازن بين شقين مختلفين، أي دعم معركة الموصل، وطمأنة الأطراف الإقليمية الفاعلة في طهران وبغداد في الوقت نفسه.

الأكثر قراءة