نساء في السلطة .. أمريكا «السبّاقة» بالكاد تلحق الركب
أعلن الحزب الديمقراطي الأمريكي يوم الثلاثاء المنصرم، وبشكل رسمي في فيلادلفيا أكبر مدن ولاية بنسيلفانيا ترشيح هيلاري كلينتون؛ وزيرة الخارجية السابقة في الولاية الأولى من حكم الرئيس الحالي بارك أوباما، للانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
أنعش هذا الخبر النقاش – في عالمنا العربي- عن النساء في السياسة والتمكين السياسي لهُن، وما جاور ذلك من مواضيع في الصالونات الفكرية والأندية النسائية. وأيقظ في الذاكرة حنينا بالعودة إلى مقدمة المؤرخ وعالم العمراني عبد الرحمن بن خلدون، وتحديدا الفصل الثالث والعشرين منها الذي عنونه بـ «في أن المغلوب مولع أبدا بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر عوائده».
تجد هذه العودة مبرراتها في أن الوكلاء المحليين للغرب بيننا، والناطقين الرسميين باسمهم من بني جلدتنا، لا يرون ضرورة للاحتفاء بإنجازات الإنسانية على وجه الأرض، وأمجادها في مدارج المدنية والتحضر عبر التاريخ الإنساني الطويل ما لم يكن مصدرها محور واشنطن - باريس.
لذا لا نستغرب كثيرا أن يصدر هذا عن هؤلاء، ومن يسبح في فلكهم، فهم ببساطة لا يعزفون سوى على إيقاعات نظرائهم هناك، ولا يُغردون خارج سرب قنواتهم الإعلامية ومؤسساتهم الصحافية. والنازلة بين أيدينا شاهد على ذلك، فما إن نشرت مجلة Foreign Policy الأمريكية تقريرا لها بعنوان "The women on top theory" حررته سوزان نوسلsuzanne Nosse المديرة التنفيذية لمركز القلم الأمريكي حاليا، والمساعدة السابقة لوزير الخارجية في شؤون المنظمات الدولية حتى لبّى "إخوانهم" بيننا النداء للنصرة والتمجيد.
حتى يخال البعض أن -السيدة الأولى في البيت الأبيض سابقا- هيلاري كلينتون أول امرأة على وجه الأرض تُرشح لمنصب سياسي في عالمنا اليوم، وهذا معطى مناف للحقيقة والصواب. فالعالم الحديث؛ منذ أوائل القرن العشرين، يعج بسيدات تقلَّدن مواقع حساسة، وتولين مسؤوليات جسام في عديد من دول ذات أنظمة حكم متنوعة وفي مختلف القارات.
يُسجل التاريخ الحديث أن أول رئيسة وزراء في العالم تدعى سيريمافو باندرانايكا Sirimavo Bandaranaike في جمهورية سريلانكا الديمقراطية الاشتراكية التي خلفت زوجها المغتال عام 1959، وتعاقبت على ذاك المنصب ثلاث مرات غير متتابعة. ثم جاء الدور على جارتها الهند حيث تولت أنديرا غاندي Indira Gandhi ابنة رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، ولثلاث فترات متتالية امتدت من عام 1966 حتى 1977 الرئاسة هناك. ثم عادت لولاية رابعة، وفيها تم اغتيالها صباح 31 تشرين الأول (أكتوبر) 1984 في طريقها إلى مكتب عملها.
غير بعيد عن شبه القارة الهندية دائما، كان التمكين حليف النساء في باكستان مع بينظير بوتو Benazir Bhutto ابنة الرئيس الأسبق، ولولايتين غير مترادفتين وهي أول امرأة مسلمة تتولى هذا المنصب في العالم. وفي بريطانيا يتذكر الجميع بانيَّة الاقتصاد البريطاني الحديث مارجريت ثاتشر Margaret Thatcher الرأسمالية الصعبة المراس، التي أمضت ثلاث ولايات في رئاسة الوزراء امتدت عقدا وسنة (1979-1990).
سيدات السلطة لم يبقين حكرا على الدول القوية بل امتد إلى دول صغيرة مثل كوسوفو هذا البلد المسلم الذي تولت فيه عاطفة يحيى آغا Atifete Jahajaga الرئاسة بعد انتخابها من قبل البرلمان بتاريخ 7 نيسان (أبريل) 2011 لفترة رئاسية استمرت خمس سنوات.
وفي أعماق إفريقيا كانت رئيسة المرحلة الانتقالية في جمهورية إفريقيا الوسطى امرأة تدعى كاثرين سامبا بانزا Catherine Samba-Panza، وامتدت فترة حُكمها -الحساسة جدا في هذا البلد غير المستقر- من بداية 2014 إلى غاية آذار (مارس) 2016.
جاء الدور على النساء مع المرأة الحديدية جويس باندا Joyce Banda التي تولت الرئاسة في جمهورية مالاوي، بعد وفاة الرئيس الذي كانت تشغل منصب نائبه. وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب فيما تبقى من ولاية الراحل بيجو وا موثاريكا الذي توفي جراء أزمة قلبية إلى غاية 31 أيار (مايو) 2014.
في أمريكا اللاتينية أيضا حضرت السيدات في السياسة إذ نجد في الأرجنتين كرستينا فيرنانديز Cristina Fernàndez التي تعاقبت على كرسي الرئاسة ولايتين متتابعين من 2007 إلى غاية 2015. ووصلت لورا شينشيلا Laura Chinchilla في كوستاريكا إلى منصب الرئاسة بقيادتها لحزب التحرير الوطني بعد انتخابها في 8 أيار (مايو) 2014 لفترة رئاسية دامت أربع سنوات.
وحاضرا نجد العشرات من النساء في سدة الحكم في العالم، في مقدمهن زعيمة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني أنجيلا ميركل Angela Merkel التي تقود حاليا بلاد الجرمان في ولاية حكومية ثالثة. إلى جانبها نجد باك جون هاي Park Geun-hye التي تقود جمهورية كوريا الجنوبية منذ 25 شباط (فبراير) 2013 إلى الآن.
تُضاف إليهن رئيسة وزراء الدنمارك هيلي تورنينج- شميت Helle Thorning-Schmidt - صاحبة أشهر "سلفي" مع أوباما وكاميرون-، التي انتخبت منذ أواخر عام 2011 باسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي. إلى جانبهن تحضر إرنا سولبرج Erna Soiberg زعيمة المحافظين في النرويج، التي تولت رئاسة حكومة بلادها منذ 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2013. وكانت قبلها غرو هارلم برونتلاند Gro Harlem Brundtand في ثلاث ولايات متوالية منذ 1981 حتى عام 1996. وفي القارة الأوروبية دائما نذكر ماري لويز كوليرو Marie-Louise Coleiro التي وصلت إلى رئاسة جمهورية مالطا في 4 نيسان (أبريل) 2014.
منتصف هذا الشهر أُسند منصب رئاسة الوزراء في بريطانيا إلى تيريزا ماي Theresa May خلفا لدافيد كاميرون الذي استقال بعد تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي ضدا على سياسة حكومته. وقبلها بأشهر منح البولانديون أصواتهم لحزب القانون والعدالة ما قاد بياتا سيدلو Beata Szydlo إلى منصب رئاسة الوزراء في هذا البلد في تشرين الثاني (نونبر) الماضي.
أما في القارة السمراء فنجد أول امرأة تتولى رئاسة دولة فيها هي؛ المتوجة بجائزة نوبل للسلام عام 2011، إلين جونسون سيرليف Ellen Johnson-Sirleaf، التي تقود جمهورية ليبيريا منذ 16 كانون الثاني (يناير) 2006، وكان انتخابها بشكل ديمقراطي سببا كي تضع الحرب الأهلية التي مزقت البلد لعقد ونصف من الزمن أوزارها. وهناك في الغرب الإفريقي وصلت سارا كوجونجيلوا أمادهيلا Saara Kuugongelwa-Amadhila إلى رئاسة مجلس الوزراء في ناميبيا بتاريخ 21 آذار (مارس) 2015.
وفي أمريكا اللاتينية نجد في الشيلي مشيال باشليت Michelle Bachelet التي تولت رئاسة الجمهورية في هذا البلد من آذار (مارس) 2006 إلى 2010، والتي أعيد انتخابها عام 2014 بأغلبية الثلثين في الدور الثاني. أما في جنوب شرق آسيا فلنا أن نذكر رئيسة التايوان تساي إنج ون Tsai Ing-Wen التي انخبت باسم الحزب الديمقراطي التقدمي قبل شهرين من الآن.
واللائحة تطول بسيدات في موقع السلطة، لكن هؤلاء وأنصارهم ينتظرون ترشح كلينتون حتى يطيب لهم الحديث عن تمكين المرأة في السياسة، دون أن ننسى ذكر حضور النساء في المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي (كريستين لاجارد) ومنظمة الصحة العالمية (مارجريت تشان)... وغيرهما كثير.