تطوير السياحة عمل ممنهج يمارسه المجتمع بوعي
إلى فترة غير بعيدة كان من الصعب على أحد القبول بأن السياحة في المملكة تمثل رافدا مهما من روافد الاقتصاد، وأنها داعم مستدام للناتج المحلي. وهذا نتج جزئيا عما أحدثه النفط من نقلة اقتصادية سهلة، جعلتنا لا نهتم كثيرا بنواح عديدة من مميزاتنا الاقتصادية، لكن هذه الرؤية تغيرات تماما منذ إنشاء الهيئة العليا للسياحة عام 1421هـ وتطوير أعمالها وتغير مسماها لتصبح الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، منذ ذلك الحين تمت إعادة ترتيب الأوراق وإعادة اكتشاف السياحة في المملكة كميزة اقتصادية، خاصة في مجال الحج والعمرة، كما تمت إعادة رسم الخريطة السياحية في المملكة والاهتمام بكل ما من شأنه تحول السياحة في المملكة إلى صناعة متكاملة، وكل هذا انعكس بوضوح في "رؤية المملكة 2030"، التي نسعى من خلالها إلى أن توفر السياحة ما لا يقل عن 1.5 مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة وهذا الرقم لا غرابة فيه ولا مبالغة إذا علمنا أن تأشيرات العمرة لهذا العام بلغت أكثر من ستة ملايين تأشيرة، بزيادة بلغت 7 في المائة، وإذا كان متوقعا الاستمرار في هذا النمو فإن أعداد الزائرين للمملكة بغرض الحج والعمرة سيتعاظم في السنوات المقبلة، حتى عام 2030. وبعيدا عن الحج والعمرة كرافد أساسي لإيرادات السياحة في المملكة فإن المملكة اليوم تشهد نموا غير اعتيادي في الإنفاق السياحي من المتوقع أن يصل حجم الإنفاق السياحي المباشر إلى 101.3 مليار ريال، ووفقا لبيانات المركز وتحليل وحدة التقارير الاقتصادية في صحيفة "الاقتصادية"، فإن حجم الإنفاق في الرحلات السياحية الوافدة إلى السعودية بلغ نحو 80.3 مليار ريال خلال عام 2015، بزيادة 27.5 مليار ريال (52 في المائة) على عام 2014، البالغ 52.8 مليار ريال، وبلغ عدد الرحلات الوافدة للمملكة 19.8 مليون رحلة، فيما بلغت الرحلات المحلية في السعودية نحو 50.7 مليون رحلة. كل هذه مؤشرات مهمة ومحفزة جدا لمدى أهمية صناعة السياحة وقدرتها على تحقيق دعم للناتج المحلي وأيضا قدرتها على توفير وظائف متعددة وبدخل مناسب لأبناء الوطن.
ما نحن في حاجة إليه اليوم هو وعي شامل بصناعة السياحة، ومشاركة كبيرة من المجتمع لتعزيزها، فالمهرجانات التي تقام في المملكة، التي وصلت هذه العام إلى 73 مهرجانا سياحيا صيفيا في مختلف مناطق المملكة، تحتاج إلى تطوير في الفعاليات، وابتكار في العرض والعمل، فاختصار تلك المهرجانات في التسوق تحت خيمة بجانبها عدد من الألعاب، هو اختصار سلبي لكل فكر وصناعة السياحة في المملكة، كما أن هذه المهرجانات تحولت إلى منافذ لبيع المنتجات المقلدة أو لتوفير فرص عمل للأجانب بينما بقى أبناء الوطن ومنتجات الوطن خارج هذه المنصات، فالابتكار ضرورة في العمل السياحي، وإذا كانت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تؤكد على وجود خلط بين المهرجانات السياحية وبين بعض الأنشطة التي تقوم بها بعض المراكز والمجمعات التجارية، فإن السائح قد لا يدرك هذه الفروق تماما، بل إن كل ما يدار داخل أي وجهة سياحية هو جزء من العمل السياحي الجاذب، وكل إخلال في أي وجهة قد يعرض الصناعة بكاملها في هذه المدينة أو تلك إلى مشاكل يصعب حلها، فصناعة الطلب على السياحة في مدينة هو عمل شاق ويحتاج إلى سنوات من أجل بناء طلب حقيقي وفعال.
وعلى هذا فيجب أن تتطور ثقافة المجتمع عن صناعة الطلب على السياحة في كل المملكة، وأن النجاح في أي مدينة يعني ازدهارا اقتصاديا لكل مناحي الحياة فيها وفرصا وظيفة رائعة، كما يجب أن تتحرر الصناعة من قضية المناسبات فكل المدن أصبحت ترتبط بالصيف، بينما تتراجع السياحة في الشتاء على نحو كبير، فصناعة السياحة والطلب عليها يحتاجان منا إلى تطوير أدوات وتطوير عمل ممنهج يمارسه المجتمع بوعي.