التجنيد الفني
لدى المملكة مصادر قوة ناعمة مؤثرة ولديها أيضا مصادر قوة أخرى لبلد بحجمها ولكنها لم تفعل بسبب نقص في تفعيل القوى البشرية. أحد مصادر القوة التي لم تعط حقها هي تسليح القوى البشرية. على الرغم من المصروفات على التعليم والخدمات البشرية مثل الصحة والإسكان وغيرهما من الخدمات، إلا أن المواطن ما زال غير مسلح فنيا. النجاح من عدمه سيتوقف على القدرة على فهم السياق العالمي الجديد والتفاعل والتكيف معه. المراقب للمشهد العالمي اليوم يعرف أن الانقسام لم يعد بين اليمين واليسار ووصفاتهما لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية، وإنما الانقسام أصبح بين الانفتاح والانغلاق في التجارة والهجرة والمعرفة والوطنية ودرجة الاستقلال. نعيش في عالم جديد. المملكة بلد منفتح تجاريا وهجرة ولكنها منغلقة من نواح أخرى. يقصد بالتسلح تعميق المعرفة الفنية والعلمية والمعرفية وتشجيع نماذج جديدة من الأعمال والتواصل مع قواعد الإمداد والإسناد العالمية بمزيد من الربط العالمي اقتصاديا.
المملكة في وضع غريب بعض الشيء قياسا على السياق الجديد في بعض الجوانب من المعادلة. الانفتاح على الهجرة الاقتصادية أصبح مبالغا فيه إلى حد الضرر على تسليح المواطن. أغلب المواطنين غير مسلحين بسبب الهجرة الاقتصادية، بل يصعب تسليحهم لأسباب موضوعية لن ندخل فيها. فحين يذكر نائب وزير العمل أن الوزارة تجد صعوبة في إيجاد وظائف للمواطنين ولكنها منحت مليونا ونصف مليون تأشيرة عمل، فهناك تحد لتسليح المواطن، ولكن تسليحه ضروري كي نتمكن من تغيير المعادلة الاقتصادية. ولأن الإشكالية مركبة لا بد من حلول جزئية متعددة لعلها تصل إلى زخم وتكامل إلى حد تغيير جذري في دور القوى البشرية. إحدى نقاط الضعف الظاهرة تتمخض في قلة الفنيين، خاصة أن مؤسسة التعليم الفني تاريخيا ضعيفة من ناحية وسلطتها لم تمتد إلى التدريب المقنع. من هذا المنطلق أتقدم باقتراح للتجنيد "الفني المؤقت". لا بد أن يكون فنيا وليس لوظائف مكتبية أو حتى معلوماتية لكيلا يتخفى أحد في مكتب تحت عذر أنه يتعامل مع الحاسب الآلي، ومؤقت "لمدة سنتين" لكيلا تصبح وظيفة حكومية يعرف الجميع ما تؤول إليه من حق مكتسب بما يتضمن ذلك من ضعف في الإنتاجية وتضخيم القطاع العام. لدى المؤسسات العسكرية والأمنية كثير من الأعمال الفنية، بل إن أغلب أعمالهم الحقيقية فنية ولديهم الورش والمعدات. مكافأة هؤلاء لا بد أن تكون مختلفة، فتبدأ براتب مقطوع يصل إلى خمسة أو ستة آلاف ريال ومكافأة نهاية خدمة تصل إلى 30 ألف ريال وتعطى لأفضل 90 في المائة منهم. المكافأة والتعامل حسب التعليمات والأنظمة العسكرية بما في ذلك اللباس وحتى الرتبة المؤقتة للحصول على شهادة تخرج. الهدف تسليح المواطن فنيا.
هذا المقترح يصب في إعلان "الرؤية" في الاهتمام بتصنيع السلاح الذي يحتاج إلى حاضنة فنية واسعة في المهارات الفنية المختلفة مثل الإلكترونيات والكهرباء والسبك واللحام والسباكة والاتصالات وغيرها من المهارات الفنية. لعل يكون هناك تعاون مع الجامعات فمثلا قد تقبل بعض الدورات بديلا لبعض المواد الاختيارية، كما أن بعض التجارب عالميا أثبتت أن خريج الثانوية العامة أحيانا غير مستعد لأخذ التعليم الجامعي جديا، ولكن بعد تجربة في واقع مختلف وأكثر جدية يأتي للتعليم الجامعي بنظرة أكثر نضجا وحرصا. ما قد يعوق هذا المقترح هو النزعة بعدم التجريب ومحدودية التواصل والتكامل بين الجهات ذات العلاقة وضعف المتابعة.