رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هل أصبح الإسراف ديدننا؟

عندما تعود بنا الذاكرة إلى ما قبل 70 عاما من عمر الزمن ونقارن بين حالتنا المعيشية آنذاك وأحوالنا اليوم، نقول سبحان مغير الأحوال ومبدل العادات. كنا نعيش على الكفاف، في وقت كان يندر فيه أن يجد معظم أفراد المجتمع ما يسد رمق جوعهم. وقدر الله اكتشاف الثروة البترولية في بلادنا التي غيرت مجرى حياتنا. وكان من الممكن أن تسود تصرفاتنا الحكمة التي وصفها الله بالخير الكثير. فنتدرج في أمورنا من شح المعيشة إلى نوع من الاعتدال المقبول في استخراج ثروتنا والصرف على شؤوننا، حتى لا نصاب بالتخمة وحب البذخ والإسراف الذي نهى الله عنه في مواقع كثيرة من القرآن الكريم. ولكننا، مع شديد الأسف، لم نوفق إلى ذلك، لحكمة الله أعلم بها. سمحنا لنعمة البترول بأن تستدرجنا إلى متاهات حياة الرفاه، للبعض منا، متناسين ماضينا العريق ومستقبلنا المجهول. وبقدرة قادر، وجدنا أنفسنا قد انغمسنا في حب الدخل الكبير الذي يزيد على حاجتنا ويفوق متطلبات حياتنا. فلم تبخل علينا حقول البترول التي، كانت ولا تزال، تجود علينا بالعطاء الوفير. ولكنها أيضا لم تشأ أن تبوح لنا بما سوف تؤول إليه حالها من نضوب وارتفاع تكلفة بعد عقود قليلة، حتى لا تكون سببا في نكد قد يخيم على مزاجنا وتركت ذلك للزمن. ونحن بدورنا، استمرأنا كثرة النعم ومالت نفوسنا إلى جلب الملايين من العمالة الأجنبية المدربة وغير المدربة لتقوم بخدمتنا وتشاركنا استنزاف ثروتنا النافقة. ولا حديث لنا عن المستقبل، وكأننا أمة تحيا حياة الخلود. ومن الصعب أن نتحدى من يقول إننا شعوب الخليج الأكثر إسرافا، من بين الأمم، في جميع شؤون حياتنا، ونحن دون شك الأحوج بين شعوب الأرض لأن نكون معتدلين في الصرف على أنفسنا نظرا لقتامة المستقبل الذي ينتظرنا.
ولعله من باب لفت النظر أن نأتي على بعض الأمثلة لما نحن عليه اليوم من الإسراف غير المبرر في كثير من أمورنا. وأول مثال هو ما نصرفه في حفلات الزواج. ودعك من المهور والحفلات الفندقية والرحلات العسلية والهدايا المليونية، التي يكلف مجموعها المليارات من الريالات سنويا! وليس سرا ضخامة فائض الطعام في حفلات الزواج الذي مصيره، في أغلب الأحوال، إلى براميل الفضلات. وركزوا معنا على ما تصرفه السيدات على أمور مؤقتة مثل الملابس وتصفيف الشعر والمكياج الذي ليس له مردود غير المباهاة، أجارنا الله وإياكم. وما يعمل أو يشترى لزواج بعينه لا يصلح في كثير من الأحيان لزواج آخر، خوفا من الشماتة. فأقل تقدير لهذه الخسائر التي تذهب هدرا تزيد على مليار ريال في السنة، بل ربما أعلى من ذلك بكثير. عادات اجتماعية ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تجد لها تفسيرا منطقيا إلا توافر المادة لدى الكثيرين وحب التباهي أمام الآخرين. فما بالك إذا كانت نسبة الطلاق في منطقتنا حسب الإحصائيات غير الرسمية تزيد على 30 في المائة، ما يضاعف من الأسى على ما نصرف دون وعي ولا حكمة. وما الذي يمنع من أن تكون حفلات الزواج محصورة في أفراد العائلة والأقارب وقليل من الأصدقاء؟ أريحوا النساء من مسؤولية الصرف غير المجدي.
والمدمنون على الرحلات السياحية الصيفية، التي لم تكن من عاداتنا. ولكننا اكتسبناها من باب التقليد غير الحكيم، مع ارتفاع مستوى الدخل، وأسرفنا في ممارستها حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من صميم حياتنا. وعند العودة، لا تسمع من يتحدث عن المعالم التاريخية والثقافية والعادات الاجتماعية الطيبة التي تمارسها شعوب البلاد التي نقوم بزيارتها. فقسم كبير من أحاديث العودة يتعلق عادة بأنواع المطاعم والأكلات الشهيرة في بلاد السياحة. ونحن مسرفون في بناء البيوت وفي التأثيث وفي اقتناء أفخم وسائل النقل. حتى أن أفرادا من مجتمعاتنا، من قلة الذوق، يصطحبون معهم في سياحتهم أفخم أنواع السيارات، يستعرضونها أمام المتشمتين من أبناء الأمم الأخرى، غير آبهين بما قد تسببه مثل تلك التصرفات من إحراج لذوي العقول الرزينة من أمتنا.
وقد تحدث الكثيرون عن الإسراف في استهلاك الماء ونحن نعيش فوق أرض صحراوية. وبحت الحلوق من التنبيه والنصح وقليل من الزجر من أجل تقليل الاستهلاك الزائد عن اللزوم. ولكن دون فائدة تذكر. والجهات الرسمية المسؤولة لا تحرك ساكنا، خصوصا حول ما هو حاصل في ميادين الزراعة العشوائية. فلا بد من إجراءات عملية قد لا يتقبلها الجمهور مبدئيا، ولكنها ضرورية من أجل البقاء وحياة الأمة. أعطوا المواطن الحقائق دون مواربة ولا خوف وحينها يعرفون الحقيقة ويتقبلون الوضع الجديد. فمنذ أكثر من 50 عاما ونحن نسمع عن دراسات تتعلق بمستقبل المياه الجوفية، وحتى يومنا هذا لم نشاهد أي نتائج ذات قيمة. والحديث هنا عن ضرورة تعميم الاعتناء بالمصادر المائية الشحيحة سواء منها ما هو معد للاستهلاك المنزلي والمدني والصناعي أو الزراعي، وهو الأهم نظرا لضخامة الاستنزاف وسوء طريقة الاستخدام.
ولعلي أختم باقتطاف فقرة معبرة من رسالة وصلتني للتو من صديق متميز في فكره، حول الموضوع الذي نحن بصدده. يقول في مضمونها، "نحن بحاجة إلى إعلان حالة الطوارئ على الإسراف الاجتماعي والمادي. فقد أسرفنا في مفهومنا الاجتماعي، حتى صار عبئا على كثير من أفراد المجتمع. أما الإسراف المادي، فقد طغى على كل شيء، فقد بغينا بجهلنا كل مستويات المعقول، واللامعقول. نحن نستهلك أضعاف معدل استهلاك الفرد في الدول الأوروبية، في الوقت الذي نستورد فيه كل شيء، وإنتاجنا يقارب الصفر".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي