أساليب غير تقليدية لقيادة التحول المؤسسي
دروس مستفادة من اثنين من كبار المديرين التنفيذيين الروس في تحويل الشركات المتعثرة المملوكة من الحكومة، إلى قصص نجاح ذات صدى عالمي.
في شباط (فبراير) 2012، جاء في تقرير لمجلة "ذا إيكونوميست" أن "سبيربنك" المملوك من الحكومة الروسية أصبح واحدا من أهم الشركات في سوق الأسهم خلال عقد من الزمن. حيث وصلت فيه قيمة الاستثمار في 2012 إلى ما يعادل 3,700 دولار عن كل 100 دولار تم استثمارها في 2002. جاء "سبيربانك" في المرتبة الثانية بعد "أبل"، التي ارتفعت قيمة الاستثمار فيها لتصل إلى أربعة آلاف دولار مقابل 100 دولار في عام 2002. وعلى الرغم من تراجع أسهم "سبيربانك" عقب العقوبات الاقتصادية المتخذة بحق روسيا، إلا أن المصرف استمر في النمو وسيقدم تقريرا عن الأرباح القياسية التي حققها عام 2015، بصرف النظر عن الركود الاقتصادي في البلاد.
وفي الوقت نفسه، كانت شركة الطيران "أيروفلوت" التي كانت محتكرة في الحقبة السوفيتية تسير على طريق العالمية. فقد ارتفع المعدل السنوي لحركة المسافرين خلال خمس سنوات فقط (2004 ــ 2009) من 8 إلى 21 مليونا. وارتفعت إيراداتها من 2.8 مليار دولار إلى سبعة مليارات، كما أصبح دخلها الصافي 281 مليونا عوضا عن 122 مليون دولار. فضلا عن كونها فازت بعديد من الجوائز الأوروبية لجودة الخدمة التي تقدمها ومعايير السلامة العالية التي تتبعها.
كانت كلتا الشركتين سيئة السمعة بسبب ضعف الخدمة التي تقدمانها، وتقادمهما والعقلية السوفيتية التي تحكمهما، غير القادرة على المنافسة، قبل هذه التحولات المذهلة. يعزى التحول السريع لهاتين الشركتين إلى حد كبير إلى دور اثنين من كبار المديرين التنفيذيين الطموحين ـــ جيرمان جريف المدير التنفيذي لـ "سبيربانك"، وفيتالي سافيليف المدير التنفيذي لـ "أيروفلوت"، اللذين تتشابه طريقتاهما في إدارة الأعمال، وعلى الصعيد الشخصي يشتركان في عديد من الصفات، فضلا عن كون "الشكوى هدية" كتابهما المفضل للكاتبة جانيل بارلو. ويمثلان ما أطلق عليه "القيادة الرياضية" وأثبتا أنه حتى الشركات المملوكة للدولة بإمكانها أن تصبح مرنة وتسعى للمعرفة وأن ترتقي بأدائها.
يهتم كل من جيرمان جريف وفيتالي سافليف باللياقة البدنية والرياضة ـــ يمارس جريف رياضة الجري كل صباح لمسافة خمسة أميال، ويلعب كرة السلة مع فريقه كل أسبوع. بينما يفضل سافيليف التنس، والسباحة، والتمرن في النوادي الرياضية. عقلية الرياضيين هذه جعلت منهما شخصين مميزين.
عند تولي جريف منصب الرئيس التنفيذي لـ "سبيربانك" في 2007، كانت قيمة الأصول تبلغ 200 مليار دولار وتحقق الشركة أرباحا ضخمة، كما لم يكن لديه أي منافسين في روسيا على الرغم من الخدمة السيئة التي يقدمها. لم يتعرض جريف للضغوط للقيام بالتغيير، ولكن جعل سبيربانك إحدى المؤسسات المالية الرائدة في العالم أصبح هدفه، وطور استراتيجية طموحة لتحقيق ذلك خلال مدة زمنية لا تتجاوز خمس سنوات. وكان كلما بلغ هدفا تحدى الإداريين لتحقيق أهداف أخرى أكثر طموحا. ووفقا لأحد نوابه "يتصرف جريف وكأنه بطل أولمبي، فهو لا يرى أمامه سوى بلوغ المرتبة الأولى. فعلينا تحقيق إنجاز كل يوم، وفي كل مرة يأتي فيها بفكرة معينة كنت أتساءل: من المستحيل تحقيق ذلك، ولكن بعد المباشرة بالعمل وفي بضعة أشهر أكتشف أننا قادرون على إنجاز ذلك".
بعد إصلاح الأساسيات في "أيروفلوت" التي كانت في حالة يرثى لها في 2009، وضع فيتالي سافيليف نصب عينيه هدفا أكبر من ذلك. اعترف لنا أثناء قيامنا بالدراسة، أنه لطالما تحاشى قبل توليه منصب الرئيس التنفيذي للشركة من الطيران على "أيروفلوت"، والآن يسعى لجعل الشركة واحدة من أكبر الشركات في أوروبا من حيث تجربة العميل، والحصة السوقية والربحية. وردا على سؤال "كيف لمبتدئ في هذا القطاع فعل ذلك؟" لم يتردد سافيليف في الإجابة: "سوف أتعلم من الأفضل".
لم يكن لدى كل من الرئيسين التنفيذيين الاستثنائيين أية خلفية عن هذين القطاعين. فعلى الرغم من أن جريف كان عضو مجلس إدارة في "سبيربانك"، وسبق لسافيليف أن سافر بالطائرة عشرات المرات، لكن لم يكن ذلك كافيا. بادرا فور توليهما منصبيهما بتعلم الكبيرة والصغيرة عن العمليات وغرس ثقافة التعلم في شركتيهما.
خلال الأشهر الستة الأولى، كان سافيليف وفريقه يقضون أربع ساعات كل يوم سبت في الاستماع إلى استشاريين في الاستراتيجية من "بين" و"ماكينزي"، وتعلم أسس صناعة الطيران المدني. بحسب سافيليف أسهمت هذه الدورات في إطلاق عديد من المبادرات. مثل الصحف والمجلات التي تزيد من وزن الطائرة وبالتالي تكلف الشركة وقودأ أكثر. فمن خلال الحد من خيارات المجلات المتاحة على الطائرة، وفرت "أيروفلوت" 17 مليون دولار في السنة. كما ساعد مستشارو "بين" أيضا في حل مشكلة رشا الركاب للمضيفين للحصول على خدمة أفضل.
أكدت ورش العمل أيام السبت لسافيليف أن قطاع الطيران هو قطاع خدمي. وسرعان ما أنشأ منصب نائب الرئيس لخدمة العملاء، يتبع له بشكل مباشر. عملا معا على تغيير جوانب الخدمات التي تترك أثرا في تصورات العميل عن الشركة: تدريب المضيفين، والزي الرسمي، والوجبات المقدمة على الطائرة. بعد سنوات، تم اختيار الزي الذي اعتمدته "أيروفلوت" بكونه الأكثر أناقة في استطلاع للركاب قامت به "سكايسكانر". كما ذهبت "أيروفلوت" أيضا للفوز بجائزة سكاي تراكس عن الشركات التي خدماتها على متن الطائرة.
اكتسب جريف خبرته من عدة مصادر: تنفيذيون من مختلف القطاعات، مختصون في الإدارة، والكتب وزملاؤه من مديرين تنفيذيين لشركات أخرى، وموظفي وعملاء "سبيربانك". كان صاحب فكرة مكتبة سبيربانك، التي لا تتضمن قواعد الأعمال فقط، بل ضمت كتبا عن تحسين العلاقات الشخصية أو الصحة. وقد شيع أنه يقرأ كل هذه الكتب، وكان يختبر موظفيه فيها بشكل دوري.
أوجد هذا المزيج من الروح العالية والعطش الدائم للمعرفة زخما كبيرا ومنظما، وأسهم في وصولهما إلى هذه النتائج المذهلة. أما بالنسبة للتحديات الكبيرة القادمة التي تنتظرهما، أكد كل منهما أنهما يعملان على تحضير خليفتين لهما قادرين على الإمساك بزمام الأمور من بعدهما. ولكن هل باستطاعة شخص موهوب مثلهما أن ينقل موهبته لشخص آخر؟ سنرى مع الوقت.