دروس من تركيا
في ليلة هادئة بدأت بعض القنوات في قطع برامجها لتبث على الهواء أخبار انقلاب عسكري في تركيا، وبدأت كلمة "عاجل" تحتل الشريط الإخباري في القنوات الإخبارية كافة. كان الخبر فاجعة حقيقية دفع الناس لمتابعة شاشات التلفزة، وبدأت "الهاشتاقات" تصل للترندات العالمية، ونشطت وسائل التواصل الاجتماعي في بث الصور والأحداث أولا بأول، وحلقت الأدعية نحو السماء أن يحفظ ربي تركيا وشعبها مما يحاك لها تحت جنح الظلام من مؤامرات داخلية وخارجية، وما هي إلا سويعات وإذا بالرئيس يعلن فشل الانقلاب العسكري وعودة الأمور لطبيعتها حتى قال أحدهم ساخرا: إن الرئيس أردوغان أفشل الانقلاب قبل أن يشعر بان كي مون بالقلق!
كان من أهم أسباب إفشال هذا الانقلاب ـــ من بعد توفيق الله ورعايته لتركيا ـــ هو حكمة أردوغان ووطنية الشعب، لم يظهر أردوغان على شاشات التلفاز مهددا متوعدا أو متغنيا بأمجاده وما قدمه لتركيا بل خاطب شعبه من خلال هاتف نقال قائلا "أدعو الشعب التركي للاحتشاد في الميادين العامة والمطارات، فأنا لم أؤمن قط بسلطة أعلى من سلطة الشعب". وخرج الشعب يدافع عن مكتسباته ومقدراته وأرضه التي لم يسمح بأن تكون مجالا للمساومات وتصفية الحسابات!
- الثروة الحقيقية للدول ليس البترول أو الصناعة أو التقدم العلمي بل هو الشعب الواعي الذي لا يساوم على تراب وطنه ولا يقبل أن يكون عقله هو الساحة التي يلعب فوقها المتآمرون أصحاب المصالح الخفية والمخططات الشيطانية، ولن تنجح الدول في زراعة الوعي الحقيقي الثابت إلا من خلال التعليم الحقيقي ومحاربة الفساد ونشر العدل وغرس الوطنية التي لا تهتز أغصانها حين ينعق أصحاب الطائفية والقبلية والمناطقية.. وغيرها!
- الشعب المخلص في تلك اللحظات الفاصلة والأزمات المصيرية لا يدع حب الوطن خاضعا لتصفية الحسابات والصراع والتفكير في الذات، فقدوتنا عليه الصلاة والسلام ورغم كل ما لاقاه من ظلم وتنكيل من أهل مكة موطنه الأول وإجبارهم له على الرحيل منها، إلا أنه قال مودعا إياها "ما أطيبَكِ مِنْ بَلَدٍ وأحبَّكِ إليَّ ولولا أنَّ قومي أخرجوني مِنكِ ما خرجت".
- لن تجد إنسانا مهما كان ينعم برغد العيش والثراء يعيش بعيدا عن وطنه إلا وهو يشعر بالغربة في داخله ويحلم بالعودة إليه يوما!
- لو سألتم الذين فرطوا في حماية أوطانهم وغادروها هربا بأرواحهم.. لأجابوكم نحن متنا حين غادرنا أوطاننا!
وخزة
يقول ونستون تشرشل "الوطن شجرة طيبة لا تنمو إلا في تربة التضحيات وتسقى بالعرق والدم".