الصراع يحفز الإبداع
يعتبر الصراع بالمفهوم التقليدي من الأمور التي تؤثر سلبا على العمل الجماعي ومن الأفضل تفاديه في بيئة العمل، غير أن وضع الأفراد في حالة من الصراع العقلي قد يكون حافزا على الإبداع.
يمكن لمكان العمل أن يكون مملوءا بأشكال مختلفة من الصراعات. وبغض النظر عن طبيعة العمل أو البلد، تجد فرق العمل نفسها أمام أهداف متعارضة وخلافات متأججة مدفوعين بأهداف مختلفة. وهذا المزيج من الاختلافات بين الأشخاص والتنوع في القيم الشخصية من شأنه أن يجعل الشركة بوتقة للتنافس المهني، أو أن يكون مدمرا لها في بعض الأحيان. ولهذا السبب مطلوب من الإداريين الحد من الصراعات بأكبر شكل ممكن، وتعزيز وتسهيل الانسجام ضمن الفريق، فالصدامات ستؤثر سلبا على الثقة والتعاون والإبداع.
ولكن ماذا لو استطاع المديرون تسخير هذه الصراعات لمصلحة تحسين مستوى الأداء؟
في ورقة عمل "التأثيرات المشتركة لصراع العلاقات والذات العلائقية على الإبداع"، وجدت مع يون جين طالب الدكتوراه، أن مساعدة الأشخاص على رؤية أنفسهم من منظور الآخرين، خاصة خلال فترات الصراع، ستمكنهم من بلورة أهدافهم والسعي إلى تحقيقها من خلال وسائل مبتكرة. ويأتي ذلك بسبب رغبة معظم الناس في بناء علاقات ودية مع الأشخاص من حولهم، وتصميمهم على التغلب على العقبات التي تحول دون تحقيق هذا الانسجام.
اعرف ذاتك
يعرف معظم الناس أنفسهم بحسب علاقتهم بالأشخاص المحيطين به، على سبيل المثال، "أنا عندما أكون مع شريكي أو أصدقائي المقربين" و"أنا في العمل مع زملائي". وهناك أشخاص أكثر علائقية من غيرهم، فعلى سبيل المثال، الأشخاص المنحدرون من شرق آسيا الذين يعطون أهمية كبيرة للترابط الاجتماعي هم أكثر علائقية من أولئك المنحدرين من خلفيات غربية تركز على الاستقلالية، في حين تميل النساء عبر الثقافات إلى أن تكون أكثر علائقية من الرجال.
يعتبر هذا بالأمر المهم لأن الذات العلائقية تنظر إلى النتائج التي يحققها الآخرون باعتبارها إنجازا لهم، كما أنهم يعطون قيمة كبرى لاستجابتهم لاحتياجات الآخرين. وهذه الرغبة في تحقيق الانسجام قد تكون أداة قوية تسهم في تعزيز نتائج العمل، وكما توصلنا في بحثنا، فإن الصراعات قد تسهم في تحفيز الأشخاص الأقل علائقية.
تحويل الصراع إلى عمل
طلبنا في دراسة قمنا بها من 113 شخصا أمريكيا في مجموعتين، ذكر حادثة عن ظرف وضعوا فيه أنفسهم مكان شخص علائقي، وآخر مستقل بذاته. ثم كان على المجموعتين ذكر موقف لعلاقة منسجمة وأخرى متصارعة اختبروها في السابق.
ثم طلب منهم كتابة أفكارهم ومشاعرهم التي مروا بها خلال تلك الحالات، ومن ثم قمنا بدراستها بشكل عميق ومفصل لتحديد مدى مثابرتهم في التغلب على الصراع.
أكمل بعدها المشاركون اختبار الإبداع "الربط عن بعد"، الذي يقيس القدرة على تحديد الترابط بين كلمات لا توجد بينها علاقة (على سبيل المثال، فيل، غلطة، حي؛ الإجابة: الذاكرة) وبذلك سيكون بإمكاننا أن نرى كيفية تأثير وضعهم بمثل هذه الحالة النفسية على قدرتهم الإبداعية.
وجدنا أن هناك تأثيرا إيجابيا لصراع العلاقات على تعزيز الإبداع عند أصحاب الذات العلائقية، باعتبار أنها تقوم بتحفيزهم على التفكير بشكل أكبر في سبيل إيجاد حلول للصراعات. كما قمنا أيضا بإعادة التجربة على أشخاص كوريين، الأمر الذي مكننا من تأكيد النتائج التي توصلنا إليها.
وقمنا أيضا بالبحث عن مثيرات الإبداع لدى الأفراد الأكثر استقلالية. وتوصلنا في هذه الحالة إلى أن الصراع المنهجي (أي جدل في مجموعة حول الكيفية التي ينبغي اتباعها لإنهاء عمل ما أو كيفية تخصيص الموارد)، يأتي على القدر نفسه من الفاعلية من حيث التحفيز على الإبداع مقارنة بصراع العلاقات.
الاستفادة من الصراعات
تجب إعادة النظر في المفهوم الذي يرى أن مهمة الإداريين يجب أن تركز على إزالة جميع الخلافات ضمن الفرق، ولا يعتبر هذا دعوة لإيجاد بيئة متصارعة لفريقك في العمل. فتذكر أن الفكرة تتمحور حول وضع الناس في حالة ذهنية تجعلهم مدركين للاختلافات بين أنفسهم والآخرين.
يمكن تطبيق ذلك على أرض الواقع باستخدام نماذج للصراع أو خلافات قديمة لاستحضار النفس العلائقية عند الأفراد المعنيين ومساعدتهم على أن يكونوا متنبهين للاختلافات في علاقتهم بالآخرين لتنشيط التفكير العلائقي. أما بالنسبة للأفراد الأكثر استقلالية، فينبغي للمديرين التفكير مرتين قبل تدخلهم لإزالة العقبات، التي قد تجعلهم يبذلون جهدا أكبر للتغلب عليها. فتحضير الأشخاص ذهنيا للتفكير في مكانتهم داخل أسرهم قد يكون وسيلة سهلة لإيجاد صراع فطري داخل الذات في البيت والعمل على حد سواء، لإطلاق الطموح والحفاظ على الانسجام في كلتا الحالتين.