السلع المقلدة تحتاج إلى حلول اقتصادية
يعاني الاقتصاد السعودي وبشكل لافت تنامي مشكلة السلع المغشوشة والمقلدة، التي تضاعفت مضبوطاتها عبر المنافذ الجوية والبحرية والبرية للأراضي السعودية نحو 340 مرة، وبقيمة تجاوزت 2.717 مليار ريال خلال العام الماضي، بعد أن كانت تقدر بنحو ثمانية ملايين ريال، عام 2007. ولعل السؤال الأبرز هو عن أسباب تنامي تداول هذه السلع المقلدة. وبغض النظر عن مشكلة الرقابة والضبط، والمواصفات والمقاييس فإن قدرة هذه السلع على الحركة داخل السوق السعودية وتنامي السوق بهذا الشكل يضعاننا أمام مشكلة اقتصادية وليس مجرد مشكلة رقابية، وأي محاولة لاختصار المشكلة في المسألة الرقابة سيؤخر الحل ويضيع الجهود. فالجمارك تبذل جهودا كبيرة جدا من أجل الحد من هذه الظاهرة فقد قامت بتفعيل المختبرات الخاصة ومتابعة جهات إصدار شهادات المطابقة لضمان أن ما يتم فسحه مطابق للمواصفات والمقاييس المعتمدة وهناك من الإجراءات والأنظمة الآلية ما يكفي لمراقبة الواردات والحد من ظاهرة الغش التجاري والتقليد.
فمن المعروف اقتصاديا أن النقود السيئة تطرد النقود الجيدة من التداول، وهذه القاعدة المشهورة هي التي فتحت المجال واسعا من أجل طرح النقود الورقية واختفاء الذهب من التداول كعملة، فالناس مجبولة على الاحتفاظ بالنقود الجيدة ودفع النقود السيئة للآخرين، لو تمت دراسة وضع السلع المقلدة بالقياس إلى هذه القاعدة فإن السلع المقلدة وجدت سوقا رائجة بسبب رئيس هو غياب السلع الأصلية والمطابقة للمواصفات من السوق. لو أن السلع الجيدة تجد وضعا تنافسيا أفضل في السوق لما استطاعت السلع الرديئة احتلال مواقعها، فالسؤال الجدير بالدراسة اليوم .. لماذا فشلت السلع الأصلية والمطابقة للمواصفات في طرد السلع الرديئة من السوق؟
قد تكون الأسعار هي السبب، لكن مثل هذا الطرح لا يجد دعما من الواقع فالسلع المقلدة تباع عادة على أنها السلع الأصلية وبأسعار السلع الأصلية نفسها، وهذا ما يعانيه المجتمع، فالجميع يبحث عن القيمة مقابل السعر وهو في سبيل هذا يدفع في مقابل العلامات التجارية الموثوقة، لكن بسبب الغش والتقليد فهو لا يجد سوى سلع رديئة تحت علامات تجارية موثوقة. فالأسعار ليست السبب الرئيس لتنامي هذه الظاهرة، بل إن السبب يكمن في السلع الأصلية نفسها. فالمشكلة هي في ظاهرة أن السلع الرديئة تطرد الأصلية من التداول، ولهذا فإن السلع الأصلية لم تعد تجد لها منافذ للبيع، ولم يعد المشتري يجدها متوافرة، وهذا في جوهره يعود بالدرجة الأولى إلى مشكلة في تسويق وترويج السلع الأصلية وترك مساحات واسعة في السوق وشرائح كبيرة منها بلا تغطية، وتحت ضغط الطلب فإن المساحة هذه يتم ملؤها بالسلع المقلدة، لكن قدرة السلع المقلدة تبدأ بالسيطرة على الأسواق وأخذ شريحة أكبر، وهكذا حتى تتمكن من طرد السلع الأصلية.
فمن المهم إذا أن تبذل الوكالات المعنية بالسلع الأصلية جهدا أكبر في دراسة حجم السوق الحقيقية وتغطيتها، وعدم ترك مساحات واسعة للسلع المقلدة، بل يجب أن تفتح الأسواق للشركات الأم من أجل تغطية العجز في قدرات الوكالات، كما تجب دراسة وضع كثير من الوكالات وتعمدها تجفيف الأسواق، لإيجاد مثل هذه المساحات من أجل عدم تحمل تكاليف تخزين أو غيرها من المصروفات التي تترتب على شراء واستقبال كميات كبيرة من السلع مع عدم القدرة على توزيعها بسبب مشاكل لوجستية بحتة.
هنا يجب أن تعمل وزارة التجارة والاستثمار على فحص قدرات الوكلاء التجاريين وتحرير السوق ما أمكن وكذلك فتح المجال وتشجيع الاستثمار الأجنبي من أجل تغطية السوق بالسلع الأصلية ذات العلامات التجارية الموثوقة. مع تعزيز الرقابة خاصة على الأسواق وعدم ترك مساحات واسعة في الأسواق فإن تكلفة تخزين وترويج السلع المقلدة سوف ترتفع تدريجيا وبالتالي يتم التخلي عنها طواعية من قبل الأسواق أو التخلص منها بأسعار أقل بالتالي كشفها للرقابة بسهولة.