رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


القضايا الاقتصادية السعودية الـ 5.. علاقة الحكومة بالاقتصاد «2»

من الصعب القول إن الاقتصاد كيان مستقل عن الحكومة، ذلك أن الحكومة هي جزء لا يتجزأ عن منظومة الاقتصاد، لذلك يبدو عنوان المقال والسؤال عن علاقة الحكومة بالاقتصاد مقلقا، فالحديث عن العلاقة بينهما كأنهما كيانان منفصلان لا معنى له إطلاقا. ذلك أن الحكومة ليست سوى مجموعة من الأشخاص الذين يتقاضون رواتب وأجورا في مقابل تفرغهم لخدمة الناس بدلا من العمل في القطاعات الإنتاجية، فبدون وجودهم وبدون تفرغهم هذا فإن كثيرا من الخدمات المساندة للقطاع الإنتاجي تتعطل. فالأصل في جميع أفراد المجتمع أنهم يعملون في القطاع الإنتاجي، لإنتاج الغذاء والسلع التي يستخدمونها في حياتهم اليومية. لكن الحياة اليومية تحتاج إلى تنظيم، والأسواق تحتاج إلى مراقبة وغيرها من الأعمال التي تتطلبها حياة الناس، يقوم المجتمع باختيار من يفرغون أنفسهم لهذه الأعمال على أن يتم تعويضهم في مقابل تخليهم طوعا عن الأعمال الإنتاجية، هؤلاء الأشخاص بتنوعهم يتم التعاقد معهم من خلال الحكومات، فالحكومة هي مجرد عقد اجتماعي بين المجتمع الإنتاجي وبين هؤلاء الذين يتفرغون من أجل خدمته. وعلى العاملين في القطاع الإنتاجي دفع مستحقات العاملين في الحكومة من خلال تخصيص جزء من أرباحهم لذلك وهي ما تسمى الرسوم.
إذا هذه هي العلاقة بين الحكومة والاقتصاد، فإذا كان الاقتصاد يمثل العلاقات المتشابكة بين الموارد المتاحة في البلاد وبين الأفراد القادرين على العمل ورأس المال المتوافر من أجل إيجاد منتجات ذات قيمة يمكن تبادلها في الأسواق، فإن الحكومة تمثل مجموعة من الأفراد الذين تخلوا طوعا عن الدخول في هذه العلاقات والإنتاج من أجل تقديم خدمات لا تصنف إنتاجا على أي نحو. إذا كانت هذه الصورة واضحة تماما، فإن دخول الحكومات في أعمال يمكن أن تصنع قيمة وثروة وتستخدم الدولة فيها موارد الاقتصاد فإن هذا تداخل يحتاج إلى تفسيرات للعلاقات من جديد ويوجد أسئلة لا حصر لها. فهل العاملون في الحكومة في كل مجالاتهم يعتبرون منتجين لهذه الثروة التي تم استخدام موارد الاقتصاد فيها؟، كيف توزع ثروة المنتجات الحكومية على كل من أسهم في إنتاجها حتى الآلات والأراضي، أم يتم تحويلها إلى الخزانة العامة لتوزيعها فيما بعد على شكل بنود ميزانية حتى على أولئك الذين لم يقدموا أي مساهمة في إنتاجها؟ وإذا كانت الحكومات "كأفراد وأشخاص" قادرين على الدخول في العمليات الإنتاجية "بأشكالها وأنواعها المختلفة" فهل سيتمكن هؤلاء الأشخاص من وضع تشريعات وقوانين تعزز من احتكار الدولة لهذه السلع والمنتجات لتبرير نجاح إدارتهم للموارد؟
هنا تتضح مشكلة علاقة الحكومة بالاقتصاد، فيجب أن يكون هناك انفصال تام بين التشريع والتنظيم، وبين مهام إنتاج السلع والثروة، وكقاعدة يجب على الحكومة ألا تقدم خدمات من طبيعتها إنتاج سلع أو إيجاد قيمة وثروة، وإذا كانت المسألة كذلك وتمثل ضرورة لاستثمار أموال الحكومة الفائضة عن احتياجها، فيجب أن يتم ذلك من خلال مشاركة قطاع الإنتاج وليس من خلال الاستخدام المباشر لموارد الاقتصاد. وعلى هذا فيجب أن يتم تصنيف كل أعمال الحكومة، فما يتم من خلاله استخدام الموارد بمختلف صورها من أجل إنتاج سلع وخدمات ذات قيمة، فإنه يجب أن يتم تخصيصها وبيعها للقطاع الخاص، وقد تقوم الحكومة بشراء حصص في هذه الشركات كأحد الشركاء.
فالصورة المثلى هي أن الحكومة جزء من الاقتصاد لكن لا بد من فصل دقيق للعلاقات بشكل جيد بين الحكومة والقطاعات الاقتصادية المختلفة، لا يمكن تطويع الاقتصاد لتفسيرات خاصة، الاقتصاد آلة صماء ستفرض نفسها بطريقتها، ومع الأسف لم يتمكن العلماء حتى الآن من التنبؤ بالطريقة التي تفرض آلة الاقتصاد سلوكها بها، أما إذا استطعنا الفصل الجيد بين هذه العلاقات فإن الفرق سيظهر جليا بين من يعمل في الحكومة وبين من يعمل في القطاعات الإنتاجية المختلفة، وكذلك تتضح الصورة بين مالية الدولة وبين حجم الناتج المحلي، فإذا كان الاقتصاد الإنتاجي في أفضل حالاته زاد الناتج المحلي، وبالتالي زادت قدرة القطاع الإنتاجي على دفع الرسوم المختلفة التي تمكن موظفي الحكومة من البقاء فيها لتقديم خدمات سيادية وتنموية ضرورية، وإذا كانت الحال كذلك فإن الإدارة المثلى لمالية الحكومة، تتطلب تقليص أعداد الموظفين فيها إلى حد مثالي، وأن يكون الفرق بين رواتب الحكومة والقطاع الخاص في أدنى حد، ويكون من السهل تبرير الفروقات بين رواتب موظفي الحكومة ومميزاتهم، بمختلف تخصصاتهم ومواقعهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي