من فضائح إيران .. فساد مالي متأصل
الفساد ضمن مؤسسة النظام الإيراني ليس حديث عهد، فهو يعود أساساً لسنوات هي تلك الفاصلة بين وصول الخميني إلى السلطة حتى يومنا هذا. وعلى الرغم من ظهور أصوات من داخل إيران تحدثت عن الفساد، إلا أنها لم تكن قوية بما يكفي، والسبب يكمن في أن النظام الإيراني حاصر الساحة الداخلية بأعلى درجة من القسوة، وقام باعتقال أو توقيف أو عزل أولئك الذين تجرأوا ورفعوا أصواتهم. رأينا مطلع العقد الحالي كيف قامت سلسلة من الانتفاضات، ضد الفساد السياسي والإداري والمالي، وشاهدنا جميعاً مدى قسوة القمع لمثل هذا النوع من الحراك الشعبي. والفساد في إيران بصيغته الإجمالية يأتي من أعلى هرم الحكم الذي يقف عليه علي خامنئي. فهذا الأخير، لا يهدد فقط أولئك الذين رفعوا أصواتهم خارج مؤسسة الحكم، بل أيضاً من هم ضمن المؤسسة السياسية أيضاً.
هذه هي الصورة العامة للفساد في بلد ترك أي حراك يستهدف ازدهار المواطنين، من أجل الاستثمارات في الخراب والإرهاب ونشر الفوضى والظلم في غير بلد ضمن المنطقة، ناهيك طبعاً عن العدوان المتواصل منذ "ثورة" الخميني على الأقليات في هذا البلد، وفي مقدمتهم السنة العرب. كان هدف نظام الملالي (ولا يزال بالطبع) تصدير ثورة مضطربة ظلمت الإيرانيين قبل أن تنشر ظلمها وغيها على ما أمكن لها من شعوب المنطقة. وعلى هذا الأساس، لا معنى للتركيز على التنمية ورفاهية الإيرانيين، في زحمة رصد مئات المليارات بغية إتمام ما يمكن أن يطلق عليه "استراتيجية الخراب". ولأن الأمر كذلك، فليس مهماً التعاطي مع الفساد المحلي، طالما أن ذلك يخدم المؤسسة الحاكمة ومعها أهدافها.
الأزمة التي اندلعت بشأن مستويات الرواتب الخيالية التي يتقاضاها كبار المسؤولين الإيرانيين، التي أدت إلى استقالة بعضهم، لا تستحق توصيف الفضيحة. لماذا؟ لأن فضائح النظام باتت معروفة منذ سنوات لعامة الناس وللعالم الخارجي أيضاً. وتكفي الإشارة فقط، إلى أن ما يسمى "الحرس الثوري" الذي يقوده مباشرة علي خامنئي يسيطر على ثلث الاقتصاد الوطني في البلاد، ولا دخل للحكومات المتعاقبة في طهران بهذا "الثلث" على الإطلاق، ولا يخضع بأي شكل من الأشكال إلى أي نوع من الرقابة البرلمانية. بل لا يتجرأ أي رئيس إيراني "مهما كان قريباً من خامنئي" على طرح موضوع الاستحواذ "الثوري" على هذا القدر من الاقتصاد الوطني. فالكل يعرف عواقب الخوض في غمار هذا الموضع المخيف.
علينا أن نتخيل فقط مستوى الفساد ضمن الجانب المالي الذي يسيطر عليه رأس النظام، بعيداً عن أي مساءلة من أية جهة. ومن هنا، فإن حصول مسؤولين كبار على رواتب مرتفعة تبدو أقل فساداً من أي شيء آخر في كل البلاد. الشيء الجديد في هذه المسألة أنها فضحت نظام الرئيس حسن روحاني الذي تم التسويق له بأنه من أشد الرئاسات الإيرانية المتعاقبة حرصاً على الإصلاح. وهي فرصة بالطبع للرأس الأكبر خامنئي، لوضع روحاني في الزاوية حتى تنتهي ولايته، ليس كعقوبة على وصول رواتب بعض كبار المسؤولين في إدارته إلى أكثر من 100 ضعف عما يستحقون، ولكن للقضاء على أي جانب إصلاحي يمكن الحديث عنه.
وهذا يفسر بالطبع كيف سمح خامنئي لوسائل الإعلام الإيرانية بمواصلة الحديث عن "فضيحة" الرواتب الخيالية، دون أي تدخل منه طوال الفترة الماضية. الأسماء المتورطة كلها محسوبة على روحاني، وبعضها عمل مباشرة مع الرئيس الأسبق محمد خاتمي الذي يتم تسويقه أيضاً على أنه رئيس إصلاحي. غير أن هذا الفساد، لا يساوي شيئاً أمام فساد المؤسسة الدينية التابعة لخامنئي مباشرة. والفارق بين الجهتين، أن أحداً ضمن النطاق الإيراني المحلي، لا يستطيع أن يكتب أو ينشر شيئاً عن فساد "المرشد" وعصاباته.