الصناعة البتروكيماوية الخليجية والبحث عن الفرص العالمية

الصناعة البتروكيماوية الخليجية والبحث عن الفرص العالمية

[email protected]

إن ارتفاع أسعار النفط اللافتة للنظر في السنوات الأخيرة أسهمت في تدفق الكثير من الأموال على دول الخليج, الأمر الذي يبشر بنهضة وازدهار على كل المستويات في هذه الدول. فالصناعات النفطية في أحسن حالاتها والطاقة الإنتاجية للنفط في هذه الدول في نمو مستمر والاستثمارات في هذه الصناعة تزداد بشكل قل نظيره في الماضي بحكم الحالة الصحية الممتازة التي تمر بها هذه الصناعة, فأسعار النفط تلامس 80 دولارا للبرميل والعالم يبدي قلقاً متزايداً بشأن الطاقة الإنتاجية العالمية للنفط والجميع يتساءل عما إذا كانت الدول المصدرة للنفط لديها القدرة على أن تلبي النهم العالمي للنفط. وأما على الصعيد الخليجي فقد توقع تقرير صدر أخيرا عن بنك HSBC أن تمضي الشركات البتروكيماوية الخليجية قدماً في سياسة تملك الشركات البتروكيماوية العالمية مستفيدة من الدخل المالي الهائل لديها من جراء ارتفاع أسعار النفط. وبحسب التقرير المذكور وصل دخل دول الخليج العربية السنوي من تصدير النفط في الفترة بين 1998 و2002م إلى نحو 140 مليار دولار, وتضاعف هذا الدخل مع الارتفاع الكبير في أسعار النفط ليصل إلى 300 مليار دولار سنوياً في الفترة بين 2002 و2006م. من الطبيعي أن يتم استخدام الفائض المالي في هذه الدول في مشاريع حيوية منها قطاع البتروكيماويات بحكم ربحيته العالية وبحكم وجود اللقيم الاستراتيجي النفط والغاز.
لا شك أن الشركات البتروكيماوية الغربية سبقت مثيلاتها الخليجية بالاستحواذ والحصول على التقنيات المختلفة اللازمة لإنتاج المواد البتروكيماوية المتعددة وقطعت أشواطا بعيدة في تملك التقنيات المختلفة جعلت اللحاق بها في هذا المجال ليس بالأمر الهين. ومما زاد الطين بلة صعوبة شراء بعض التقنيات المتطورة التي تعد بالنسبة لبعض الشركات الغربية المالكة لهذه التقنيات طوق نجاة وسببا رئيسا لبقائها في ظل الارتفاع الهائل في أسعار النفط ولقيم البتروكيماويات. ولكن للخروج من هذا المأزق وتخطي تبعات افتقاد التقنيات الضرورية من أجل التفوق والازدهار (وامتلاك زمام المبادرة) في الصناعات البتروكيماوية المتجددة والمعقدة يمكن الاستحواذ الكلي أو الجزئي على بعض الشركات البتروكيماوية العالمية التي تبدي رغبة في الخروج من عالم البتروكيماويات إن وجدت العرض المناسب.
سبقت "سابك" شركات المنطقة في الخروج من القالب الداخلي بخصوصياته إلى العالمية فتم في عام 2002 م شراء شركة DSM الهولندية للبتروكيماويات لتنطلق مع هذه الصفقة ما يعرف بـ "سابك أوروبا". بلغت قيمة هذه الصفقة 2.25 مليار يورو ويجب ملاحظة أن هذه الصفقة أعطت "سابك" موطئ قدم في أوروبا, مما يعني أسواقا جديدة والتعرف إلى زبائن جدد. ونقلت هذه الصفقة "سابك" نقلة نوعية وتقدم تصنيفها من بين الشركات البتروكيماوية العالمية من المرتبة 22 إلى 11, وأما تصنيفها عالمياً من ناحية إنتاج البولي بروبيلين والبولي إيثيلين, فأصبحت "سابك" من ضمن أكبر خمس شركات عالمية.
وفي عام 2006م استحوذت شركة سابك على شركة هانتسمان الأوروبية التي مقرها في المملكة المتحدة وبلغت قيمة الصفقة 700 مليون دولار وانتقل بموجب هذه الصفقة 830 موظفا في "هانتسمان أوروبا" إلى "سابك أوروبا" الذين سيكملون عملهم تحت الظروف السابقة نفسها لهم. وتنتج "هانتسمان أوروبا" نحو 865 ألف طن سنوياً من البولي إيثلين و400 ألف طن من البولي بروبيلين, و1.3 مليون طن من العطريات.
وفي خطوة كبيرة، تم الإعلان أخيرا على استحواذ "سابك" على شركة جنرال إليكتريك GE للبلاستيك بقيمة 11,6 مليار دولار. الحقيقة أن هذا الاستحواذ هو الأهم لأي شركة بتروكيماوية عربيا وخليجيا. وبهذا يتم امتلاك تقنيات جديدة أي معرفة جديدة وأيضا التعرف على أسواق جديدة وقد علق السيد طوني بوتر مدير شركة الاستشارات الكيماوية في هيوستن CMAI على هذا الحدث قائلاً "إن هذه الخطوة أعطت "سابك" خبرة تسويق منتجات جديدة ومعقدة لم تكن "سابك" تعرفها من قبل. هذا إضافة إلى حصول "سابك" على ملكية تقنيات مختلفة لإنتاج مواد جديدة على "سابك" إضافة أيضا إلى حصول "سابك" على عملاء جدد, ومن دون هذا الاستحواذ فإن "سابك" كانت ستواجه عقبة اختراق نوعية جديدة من الأسواق التي لم تكن تملك الخبرة الكافية لها. وأضاف أيضاً أن بمثل هذه الصناعات والأسواق فإن ميزة الحصول على اللقيم لم تعد كافية". هذا وتنتج GE الكثير من المواد البلاستيكية المتطورة مثل البلاستيك الحراري والبولي كربونات والعديد من المواد البتروكيماوية المتخصصة وذات التقنيات المعقدة. طبعاً السباق على الحصول على GE كان قوياً والعديد من الشركات العالمية مثل بازل أبدت رغبتها في الحصول على GE. الصفقة من وجهة نظر المختصين كانت رائعة وضربة معلم وقد همس أحد المديرين الإقليميين لشركة بتروكيماويات عالمية أن "سابك" هي الرابحة بكل المقاييس بهذه الصفقة غير المتوقعة رغم ارتفاع قيمتها نوعاً ما.
يبدو أن الدور حالياً على شركة باير, والواضح أن شهية الشركات البتروكيماوية مفتوحة بشكل كبير لالتهام بعضها بعضاً. ويدور حالياً في الكواليس توقعات ببيع شركة باير العملاقة، فيا ترى من هو صاحب النصيب؟ وهل سنرى يوماً تحالفاً بتروكيماوياً سعودياً يشمل "أرامكو" و"سابك" و"الصحراء" و"التصنيع" و"سبكيم" وغيرها من الشركات البتروكيماوية لشراء والاستحواذ على إحدى الشركات البتروكيماوية العالمية المالكة لتقنيات تصنيع مواد بتروكيماوية متطورة؟ وبذلك يتم التغلب على مشكلة تملك التقنيات المتقدمة.

الأكثر قراءة