سنغافورة تخطب ود أحفاد الشيوخ لزيادة التدفقات المالية الإسلامية
سنغافورة تعول على أحفاد التجار العرب القدماء لتذكر ماضي أجدادهم مع هذه المدينة التاريخية واتخاذها كمنصة إطلاق لنشاطات المالية الإسلامية. حيث نجحت تلك الدولة في وضع نفسها كمركز للعلاقات الدبلوماسية والتجارية المتنامية بين الشرق الأوسط وشرق آسيا، وهي استراتيجية تتزعمها الدولة بهدف تعزيز مكانة هذه الدولة المؤلفة من مدينة واحدة كمركز إقليمي للمال والطاقة.
فمنذ 11 أيلول (سبتمبر)، تمت أكثر من 50 زيارة على مستوى الوزراء أو على مستوى أعلى من بلدان الشرق الأوسط إلى سنغافورة، وهذه الزيارات تزيد على ضعفي عدد الزيارات التي تمت طيلة العقد الماضي. وتزعم الدولة الآسيوية الصغيرة أنها في موقع فريد يمكنها من مساعدة المستثمرين الشرق أوسطيين للوصول إلى الأسواق الصينية بسبب علاقات حكومتها الوثيقة مع الزعماء الصينيين.
أندرو سايمون
في ظل وجود هذه المبالغ الضخمة من دولارات النفط التي تبحث عن عوائد عالمية، تسوق سنغافورة نفسها كمركز إقليمي جديد للتمويل الإسلامي الذي تتنافس عليه بقوة مع إندونيسيا وماليزيا لاستقطاب الأموال العالمية. وتستهدف سنغافورة على وجه الخصوص خدمات الصيرفة المؤسسية وتلك التي تباع بالجملة، وإدارة الصناديق وأسواق المال للعمل كوسيط للتدفقات المالية الداخلة إلى منطقة آسيان والخارجة منها.
ولتمكين البنوك والمؤسسات المالية الأخرى في سنغافورة من التعامل في المنتجات الاستثمارية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، قامت سلطة النقد السنغافورية أخيرا بتعديل الشروط التنظيمية المعمول بها على هذا الصعيد.
وتوفر سوق الأسهم في سنغافورة الآن مؤشرات خاصة للأسهم الآسيوية المتفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، ولا تضم هذه المؤشرات أي شركات تتعامل في أنشطة مثل بيع لحم الخنزير أو المنتجات التي يدخل فيها لحم الخنزير، والمشروبات الكحولية والقمار. وتظهر التقارير الصادرة عن مؤسسة النقد السنغافورية أنه توجد الآن صناديق تأمين وممتلكات تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية بقيمة 1.6 مليار دولار أمريكي.
التجار العرب القدماء
وهناك تاريخ طويل من العلاقات التجارية والثقافية بين سنغافورة والشرق الأوسط، ولكن حتى عهد قريب كان هذا إلى حد كبير بمثابة المخلفات الاستعمارية الماضية. ذلك أن التجار العرب، خاصة الحضارمة منهم، نشطوا منذ عقود في منطقة جنوب شرق آسيا واستقروا في سنغافورة البريطانية في الأيام الأولى من تأسيسها في عام 1819.
وقبل الحرب العالمية الثانية، كانت عائلات التجار العرب كعائلة الجنيد والكف من أثرى العائلات في سنغافورة. فكانت تسيطر على تجارة الحج إلى مكة من سنغافورة التي خدمت السكان المسلمين في المنطقة، وحافظت على مصالح وحصص لها في كثير من تجارة الشحن صغيرة النطاق في الأرخبيل الإندونيسي والماليزي، وكانت تملك الكثير من الأراضي في سنغافورة نفسها.
وتم تشييد الكثير من المباني التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية وما زالت قائمة في سنغافورة من قبل تلك العائلات العربية، ويمكن مشاهدة الآثار التي تدل على النفوذ الشرق أوسطي حول شارع العرب في محيط الجامع الكبير في سنغافورة، وهو مسجد السلطان الذي تأسس منذ 183 عاما، وحيث ما زال أحفاد التجار الأوائل يحتفظون بمحالهم.
علاقات قديمة وتدفقات حديثة
كثيراً ما توصف تلك العلاقات القديمة اليوم أنها ذات نزعة أو اتجاه عام، ويستفيد أصحاب المشاريع من تلك الفكرة عبر سلسلة من المطاعم ذات الطراز الشرق أوسطي التي تم تأسيسها في الآونة الأخيرة، ويدار الكثير منها من قبل مهاجرين جدد من مصر ومن البلدان الواقعة على الخليج. وفي العصر الحديث، كان أهم العلاقات التجارية وما زال ممثلاً في الإمدادات الثابتة من النفط الخام إلى سنغافورة، التي يوجد فيها أهم مركز لمعالجة الوقود الأحفوري وتصديره في آسيا.
وتعتبر العلاقة بين سنغافورة والسعودية قوية بشكل خاص. فالسعودية أكبر شريك تجاري لسنغافورة في الشرق الأوسط، حيث تقدر قيمة حجم التبادل التجاري بين البلدين بأكثر من عشرة مليارات دولار أمريكي، كما أن السعودية أكبر مستثمر شرق أوسطي في الجزيرة. في هذه الأثناء، تتطلع سنغافورة إلى أن يكون لها نصيب من مشاريع البنية التحتية التي تخطط الرياض لتنفيذها بقيمة 800 مليار دولار في السنوات العشرين المقبلة، خاصة العقود المتعلقة بالأعمال الهندسية وإدارة المشاريع وتقنية المعلومات.
ويعمد أصحاب الملايين في بلدان الشرق الأوسط، كالسعودية، التي ازدادت ثراءً بسبب تضاعف أسعار النفط خلال السنوات الأربع إلى ضخ مزيد من الأموال إلى سنغافورة خاصة بعد أن قامت بخفض الضرائب وتقديم الحوافز للمستثمرين لكي تنافس هونج كونج وغيرها من المراكز المالية الآسيوية.
العربية تدخل المنهج التعليمي
ويتجاوز توسع سنغافورة إلى الشرق الأوسط مجرد الأعمال التجارية والاستثمارية. إذ يتحدث كبار المسؤولين السنغافوريين عن نهج متعدد الأبعاد وطويل المدى لبناء علاقات مع المنطقة، مشيرين إلى الخطط الرامية إلى تأسيس معهد أكاديمي للشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية وجعل تعلم اللغة العربية خياراً متاحاً لطلبة المرحلتين الثانوية والجامعية في سنغافورة.
وما زال رئيس الوزراء الأسبق جوه تشوك تونج، مهندس فكرة اندفاع سنغافورة إلى الشرق الأوسط، يشارك بنشاط في هذه المبادرة ذات المدى الكبير بصفته الحالية كأحد كبار الوزراء. ففي المقابلات التي تجرى معه، فإنه كثيراً ما يتحدث عن عهد جديد من العلاقات العميقة والواسعة بين الشرق الأوسط وشرق آسيا، وهو ما يطلق عليه "إعادة اكتشاف متبادل" للعلاقات الثقافية القديمة بين المنطقتين.
*نقدا من صحيفة Asia Times