إدارة المخاطر الناجمة عن وسائل التواصل الاجتماعي

إدارة المخاطر الناجمة عن وسائل التواصل الاجتماعي

تعرض سهولة الوصول والتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي الشركات لمخاطر كبرى. ولكن بمقدور الشركات اتخاذ إجراءات مضادة تمنع حدوث كارثة تؤثر على سمعتها.
أصيب الرئيس أوباما جراء هجوم إرهابي على البيت الأبيض. تلك التغريدة صدرت عن حساب وكالة أسوشيتد برس الموثق على "تويتر". خسر مؤشر إس آند بي 500 على إثرها أكثر من 130 مليار دولار أمريكي.
كانت تغريدة وكالة أسوشيتد برس حصيلة اختراق جهاز كمبيوتر من قبل "الجيش السوري الإلكتروني"، وبطبيعة الحال لم يصب الرئيس الأمريكي بأي مكروه. اتخذت الوكالة بسرعة الإجراءات اللازمة وقامت بإخطار مشتركيها بالمشكلة. تعافى السوق ولكن تضررت سمعة وكالة أسوشيتد برس كمصدر موثوق للأخبار. توجد وسائل الإعلام الاجتماعية اليوم في عالم الشركات. ولكن التهديدات التي تحملها لا تزال غير مفهومة حتى الآن بشكل كلي.
هناك أربعة تهديدات رئيسة لوسائل التواصل الاجتماعي.
تعمد الأذى: بإمكان الموظفين إلحاق الضرر عمدا بسمعة شركاتهم. لنأخذ، "إتش إم في" متاجر التجزئة والترفيه العالمية التي تحقق إيرادات سنوية تفوق المليار ونصف المليار مثالا على ذلك. صدرت في عام 2013، تغريدة غريبة للشركة على موقع تويتر. تضمنت الرسالة "نغرد على الهواء مباشرة من قسم الموارد البشرية حيث تم طردنا جميعا". حينها تم تقليص فريق السوشال ميديا، وقام شاب من الفريق يبلغ 21 عاما باغتنام الفرصة، ونشر الغسيل القذر للشركة أمام العامة. حذفت الشركة الرسائل حالما استعادت سيطرتها على حسابها على "تويتر"، ولكن بعد فوات الأوان.
التسريبات: قد يتسبب الموظفون بإلحاق الضرر بصاحب العمل من دون قصد. يمكن أن يحدث ذلك عندما يدلون بمعلومات تفيد خصومهم بشكل مباشر. على سبيل المثال، معلومات حول فترة عطلة المدير المالي، أو أسلوب عمل قسم تكنولوجيا المعلومات، يسهل عمليات الاحتيال من خلال إعطاء معلومات قيمة عن الإجراءات التشغيلية. ويفيد تحديد الموقع الجغرافي على الصور بفهم أنماط سفر التنفيذيين بشكل خاص. فعندما كشفت الشركة البريطانية أدلة تتعلق بتنظيم القاعدة، تبين أن 80 في المائة من المعلومات التي تفيد التنظيم بإجراء هجماته، متاحة للعامة. تحدث المخاطر المختلفة عند مشاركة الموظفين وأصحاب المصلحة الآخرين بأنشطة خلال وقتهم الخاص تضر بسمعة الشركة. لنأخذ حالة أستاذ الهندسة الجامعي الذي ألف كتابا ينكر محرقة اليهود. وعلى الرغم من عدم ترويج صفحة قسمه لأفكاره السياسية، إلا أن المعلومات لا تزال متاحة على الإنترنت ولا يصب ذلك في مصلحة الجامعة (أصدرت الجامعة بيانا تنفي فيه مسؤوليتها عن آرائه الشخصية).
القرصنة: يمكن لغير الموظفين إلحاق الضرر بالشركة، ومثال وكالة اسوشيتد برس ليس فريدا من نوعه. فعلى سبيل المثال، تعرض التلفزيون الفرنسي "تي في5 موند" لهجوم إلكتروني استهدف قنواته الـ 11، والموقع الإلكتروني، وحسابه على مواقع التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، فإن التهديد الخارجي لا يقتصر على عالم الإنترنت. فالأقران الذين يقومون بنشر صور أو التعليق في المنتديات للتعبير عن إحباطهم من الشركة قد يتسببون بمشكلة أيضا. فقبل بضعة أشهر، ذكر تيم أرمسترونج الرئيس التنفيذي لشركة أمريكا أون لاين، أن الشركة دفعت مبلغ "مليون دولار" تكاليف طبية لموظفين يعاني أطفالهم من اضطرابات عصبية". تصريحه هذا أثار سخط إحدى الأمهات وزوجة أحد الموظفين في الشركة، واعتبرته على أنه انتهاك للخصوصية. وشنت حملة استهلتها بمقابلة مع مجلة "سليت" على الإنترنت. ما دفع ارمسترونج للاعتذار.
فقدان السيطرة: قد يضر غير الموظفين أيضا بالسمعة عن غير قصد. ففي 2008، قامت مصلحة الضرائب الإيطالية بنشر بيانات الدخل على شبكة الإنترنت عن طريق الخطأ، مضرة بسمعة عديد من الأفراد. وتحدث مثل تلك الحالة عندما يريد شخص إثارة ضجة من خلال الإفراج عن معلومات مثيرة للجدل. لم يكن الهدف إلحاق الضرر بأحد، على الرغم من أن النتيجة قد تكون متوقعة. اقترح مسؤول تنفيذي كبير في "أوبر" خلال حفل عشاء، أن تقوم الشركة بتوظيف الباحثين المعارضين لهم بهدف تخفيف حدة الضغط عليهم في وسائل الإعلام. كان رئيس تحرير "بازفييد" حاضرا، وعلى اعتبار لم يبلغه أحد أن الحدث غير رسمي، صرح بتلك المعلومات على الإنترنت. ومرة أخرى انتهت المسألة بتقديم اعتذار علني من المسؤول التنفيذي. للتصدي لهذا الخطر، نستعرض أربعة محاور كإجراءات مضادة تساعد على تفادي الكارثة:
الإشارة: لا بد من تحديد التهديدات وربطها بعمليات إدارة المخاطر. كما ينبغي تحديد الحسابات المختلفة وملكيتها بوضوح.
القياس: ينبغي التحقق من الأهمية النسبية للمخاطر. على سبيل المثال، تصنف القوات المسلحة درجة السرية المرتبطة بكل وثيقة (من متاحة أمام العامة، إلى سرية للغاية). تم تصميم هذا النهج المنظم للحد من مخاطر التصاريح التي قد تصدر عن أمن العمليات من دون قصد.
الإدارة: الطريقة المثلى للتعامل مع الأزمات الناجمة عن وسائل التواصل الاجتماعي تتمثل بالحؤول دون حدوثها. قد يكون رد الفعل الطبيعي فرض سيطرة أكبرعليها، ولكن بطبيعة الحال هناك دائما مفاضلة بين عملية التفاعل (مقدار النشاط على وسائل الإعلام الاجتماعي) والأمن. وهذا قد يؤدي إلى تحمل الشركة درجة معينة من المخاطر. ويمكن أيضا معالجة هذه المخاطر للحد من حدوثها أو عواقبها. على سبيل المثال، بالإمكان تجنيد مراسلين داخل الشركة مهمتهم نشر الممارسات الجيدة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم صورة أفضل للممارسات الحقيقية في الشركة لمديري المخاطر. ويمكن تصميم برنامج نهاية الخدمة بشكل يضمن مغادرة الموظفين الشركة بشروط جيدة. ويمكن تحويل المخاطر إما عن طريق الاستعانة بشركات خارجية لإدارة وسائل التواصل الاجتماعي (بحيث يتحملون المسؤولية كاملة) أو من خلال التأمين في حالة حدوث خطأ ما. في حالات نادرة، من الممكن إنهاء المخاطر عن طريق إغلاق قنوات وسائل الاجتماع بشكل كامل. قد يستحق هذا الخيار النظر له في الشركات الصغيرة ولكن من غير المرجح اللجوء إليه في الشركات الكبرى.
المراقبة: عامل الوقت يلعب دورا حاسما عند الكشف عن الأزمات الحساسة، كما كان في حالة وكالة أسوشيتد برس. حيث بإمكان الاستجابة السريعة أن تحول المشكلة إلى فرصة. ومن المثير للاهتمام، أن مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، قد تساعد في الكشف عن أزمة تتعلق بجزء آخر من العمل. على سبيل المثال، شركات مثل دويتشه تليكوم نشرت تكنولوجيا "غرفة العمليات" لمراقبة نشاط وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء الشركة. ما يخول للشركة الكشف عن القضايا الناشئة عن العمليات التشغيلية أو تكنولوجيا المعلومات في أقرب وقت كونها تؤثر على عملائها. عند فهم هذه التحديات على نحو أفضل، يصبح السؤال الحاسم هنا، من هو الشخص الأقدر في المنظمة على تولي هذه المهمة. رئيس قسم التسويق، رئيس إدارة المخاطر، رئيس قسم المعلومات أو تنفيذي جديد (رئيس الرقمية). من الواضح أنه بغض النظر عن منصبك القيادي فإن سمعتك على المحك.

الأكثر قراءة