التغيير .. ومثبت السرعة

ينتظر بعضهم التغيير ويبحث عنه، ينادي به عند كل فرصة ويجزم أن الواقع لن يتغير إلا بشجاعة التغيير، وهو صادق. ولكن عندما يأتي التغيير يقاومه ويهزأ به أو بكل بساطة يضيع في زخمه منبهرا من سرعته وعاجزا عن فهمه. لا يلام مثل هذا، فالتغيير الطفيف لا يلاحظ بينما التغيير الجذري لا يحظى برضا الجميع، خصوصا قبل ظهور نتائجه التي لا تحدث في معظم الحالات بطريقة مباشرة وواضحة.
لو راقبنا ما يحدث على الساحة الاقتصادية بجميع مستوياتها الكلية والجزئية والفردية كذلك، لوجدنا أن معدل التغيير أصبح يتسارع بطريقة ملحوظة، ولا أعتقد أنه معدل تاريخي لم يشهد سابقا لأن ما حصل في الستينيات والسبعينيات الميلادية قد يكون أشد وأسرع، ولكن التغييرات الحالية تعتبر تغييرات نوعية تراهن على مسائل أكثر أهمية وخطورة من تلك التي حدثت في فترات البناء السابقة.
دعونا نستعرض بعض مقتطفات التغيير التي حدثت خلال الأسابيع الفائتة فقط دون ترتيب ودون النظر فيما تم تدشينه ضمن رؤية 2030، والرؤية تضمن انسياب كم هائل إضافي من التغييرات في الفترات القادمة. بدأت وزارة العمل بتنفيذ استراتيجيات جديدة للسعودة تركز على القطاعات أعلنت من ضمنها أخيرا التركيز على مجالات لم تكن مستهدفة سابقا مثل مكاتب تأجير السيارات. وأعلنت هيئة سوق المال عن تغييرات محورية كذلك في أنظمة السوق، وتبعتهم الهيئة العامة للاستثمار بفتح مجال التملك بنسبة 100 في المائة في قطاع التجزئة بضوابط معينة. هيئة الزكاة والدخل تدشن نظاما إلكترونيا شاملا بحلول جذرية على الرغم من وجود تحديات رافقت التدشين. ترعى كذلك الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين مشروعا ضخما لاتباع معايير المحاسبة الدولية ويمر بمراحله النهائية. كذلك هناك ثورة إن صح التعبير في مجال النقل على المستوى الوطني بتدشين حلول جديدة كالقطارات وتعزيز المجال الجوي، ولا يسعنا بالطبع تجاهل مشروع رسوم الأراضي الذي دخل حيز التنفيذ بإعلان وزارة الإسكان الأخير، الذي يشكل تطورا ملحوظا في آليات تعزيز عدالة الأسواق. يشمل ما نشاهده من التغيير الثقافي الذي يرتبط جزء كبير منه بالتطورات التقنية والتشريعات الجديدة التي تصنع ممارسات جديدة كذلك وبرامج تعزيز الشفافية المتنوعة خصوصا تلك المرتبطة بالتقييم والتقرير عن أداء الجهات ــــ مثل تقييم المدارس وأنظمة التعليم. تؤثر هذه التغييرات في الظروف التي تديرها الدولة، وفي ما تواجهه المنظمات بأنواعها من فرص وتحديات، وفي أسلوب معيشة الأفراد كذلك الذي سيتطلب التكيف المستمر، وأقرب الأمثلة تأثير كل ما سبق في سياسة الفرد المالية ومدى استعداده للتصرف كما يجب.
لو نظرنا إلى أحداث الأسابيع الماضية وما قد تعكسه من آثار لوجدنا الكثير مما يستحق التوقف والكثير الذي يتعرض للنقد، فهل هناك من يراقب هذه التغييرات ويضعها على أجندة موحدة ويخضعها لإعادة الترتيب والتعديل والتصرف السريع، على الأقل لكل طبقة من طبقات التغيير؟ أي على مستوى الدولة والمنظمات والأفراد. قد يقع ما أتحدث عنه ضمن إطار الحوكمة الذي طوره مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لمؤسسة العمل ورفع كفاءته وتنسيق الجهود ومتابعتها، ولكن هذا العمل يختص فقط بالدور المتوقع من الجهة المشرفة على هذه المبادرات الحكومية، ولكن ماذا عن إدارة التغيير على مستوى الجهات الحكومية نفسها ــــ وعلى مستوى الجهات الأخرى كالمنشآت الخاصة مثلا ـــ وعلى مستوى الأفراد والأسر.
يؤكد جاك ويلش منظر وممارس القيادة ورئيس شركة جي إي السابق أن أكثر ما يثير أسفه هي اللحظات التي لم يقم فيها بالتغيير بالسرعة الكافية. بينما قاد لويس جرستنر شركة آي بي إم للرقص كما يذكر في كتابه بالتغيير البطيء والمنتظم والحلول المختارة بعناية. يقارن مايكل سكريج في مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" بين الحالتين ويقول إن السر ليس في سرعة التغيير، وإنما في أسلوب التغيير الذي قد "يتبع" أو "يوجه" الأطراف الأخرى مثل العملاء والمستفيدين. التحكم في سرعة التغيير مهم ولكن هذا لا يعني تثبيته على قياس محدد لا يتغير، وإنما التوازن بما يلائم الاحتياج، الذي يراوح بين السرعة أو البطء والتنقل بينهما.
يذكر سكريج أن التغيير التحولي الشامل الذي يغير من حياة الناس أصعب من غيره، ويستوجب بذل المزيد من الجهد فيما يتعلق بتحديد السرعة المناسبة له. وهذا ما أتفق معه تماما خصوصا وأن مثل هذه التغييرات تشبه تطبيقات تأسيس الأعمال التي تتطلب القدرة على التحول السريع والتمحور والتفاعل مع العملاء، ولكنها أصعب لشموليتها وكثرة العناصر والتفاعلات المرتبطة بها. وهنا يأتي دور ضبط سرعة التغيير وقبل ذلك مراقبته. ولا أنسى أن أشير إلى أهمية اعتبار حجم المحيط الذي يحدث فيه التغيير، فالتفاعلات التي تحدث داخل الأسرة لا تحدث بالضرورة على مستوى المنظمة أو الدولة على الرغم من أن السلوكيات كثيرا ما تتشابه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي