زيارة استراتيجية من أجل المستقبل
زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الولايات المتحدة، استراتيجية من كل نواحيها، فضلاً عن أهمية توقيتها على مختلف الأصعدة. محليا، تتم بعد فترة وجيزة من إطلاق "رؤية المملكة 2030" واعتماد آلياتها التنفيذية. ونحن نعلم، أنه رغم محلية "الرؤية"، فإن لها روابطها العالمية، لاسيما مع بلدان تجمع السعودية بتاريخ طويل من التعاون والشراكات والاستثمارات والتبادل التجاري وغير ذلك. وتبقى الولايات المتحدة في مقدمة هذه البلدان. فالعلاقة تستند إلى أرضية صلبة، بصرف النظر عن الاختلافات في وجهات النظر حول هذه القضية أو تلك. وهذا يحدث في العلاقات الدولية دائماً. ومن هنا، فإن زيارة ولي ولي العهد الولايات المتحدة، تمد جسورا اقتصادية جديدة وفق رؤية التنمية السعودية الكبرى، وتدعم جسوراً موجودة أصلاً بين الطرفين.
وجدول زيارة الأمير محمد بن سلمان، يؤكد أن اللقاءات والاتصالات مع القوى الاقتصادية الأمريكية ستكون متنوعة وتصب كلها في إطار بناء الجسور المشار إليها، سواء على الصعيد الحكومي الأمريكي، أو من جهة الشركات والمؤسسات الأمريكية الكبرى، التي أبدت سابقاً اهتماماً كبيراً بالتحولات الاقتصادية التي تجري في المملكة. بل إن بعضها، أعلن صراحة رغبته في أن يكون شريكاً بصورة ما في حراك التنمية الاستراتيجية الكبرى، في مختلف المجالات، خصوصاً أن الرؤية أخرجت المملكة من نطاق النفط لتتجه إلى الاقتصاد الأكثر تنويعاً، تمهيداً للوصول إلى الاقتصاد الكلي. مع ضرورة الإشارة، إلى أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز نفسه، دعا مباشرة المؤسسات الأمريكية لضخ الاستثمارات في البلاد، خلال زيارته الأخيرة الولايات المتحدة.
هناك كثير من المشاريع المشتركة القائمة بين السعودية والولايات المتحدة تصل -بحسب سفارة المملكة في واشنطن- إلى 300 مشروع. ومع زمن التحول الاقتصادي السعودي، سيكون هناك مزيد من المشاريع المشتركة، وفق رؤى جديدة متطورة ومرنة. وزيارة بمستوى هذه الزيارة، ستدعم مباشرة التوجهات نحو مزيد من التعاون بما ينعكس إيجاباً على الطرفين. إنها في الواقع، زيارة ستثبت العلاقة القوية التي تجمع الرياض وواشنطن، بمخططات تتواءم مع كل المتغيرات. وتعكس أهمية الزيارة أيضاً، مستوى الوفد المرافق لولي ولي العهد، من وزراء وخبراء ومختصين. ولذلك، فهي زيارة عمل من أجل المستقبل مليئة بالحراك السياسي والاقتصادي، وبمحركات دعم العلاقات الثنائية بين طرفين محورين على الساحة الدولية.
الملفان اليمني والسوري سيكونان على رأس جدول المباحثات السياسية. ونحن نعلم أن هناك بعض الاختلافات فيما يتعلق بالملف السوري على وجه الخصوص. وفي الواقع هذه الاختلافات موجودة حتى بين حلفاء الولايات المتحدة من الأوروبيين. ولذلك فإن المحادثات التي سيجريها ولي ولي العهد، ستحدد الأطر العامة لهذا الملف، خصوصاً في ظل تردي الأوضاع على الساحة السورية، بصرف النظر عن الانتصارات التي تتحقق على تنظيم داعش الإرهابي هناك. بالطبع ستكون الملفات الأخرى، مثل العراق وليبيا في صلب المباحثات، إلى جانب طبعاً ما يرتبط بالأمن الخليجي، لاسيما مع إمعان النظام الإيراني في نشر ما أمكن له من التوتر على الساحة في المنطقة، سواء بالتدخلات المباشرة أو بزرع الفتن والأعمال الإرهابية.
إن زيارة الأمير محمد بن سلمان، تأتي في وقت مناسب لكل شيء تقريباً، وتفتح آفاقا جديدة مع الولايات المتحدة، التي تنتظر هي الأخرى تغييرات سياسية قبل نهاية العام الجاري. ومما لا شك فيه أن نتائج الزيارة تحاكي التحولات كافة، وتتعاطى مع القضايا ليس من منظور آني، بل مستقبلي خالص.