هل أشتري أم أستأجر؟

قرار شراء المنزل يعد من أهم القرارات الاستراتيجية للأسرة نظرا لتأثيره المالي الكبير والمباشر في الدخل، وذلك على المدى البعيد الذي قد يمتد إلى 25 عاما، ولا سيما إذا كان السكن المطلوب هو "منزل العمر" وليس منزلا مرحليا، لذلك أؤكد دائما أهمية أن تؤدي دورك بعمل الحسابات المالية اللازمة، وتحليل الأرقام وفقا لظروفك واحتياجاتك؛ لأنه قرارك أنت، وأنت من سيتحمل تبعاته، لكن من المهم أن تتضح لك الجوانب الفنية في أسلوب التحليل بحيث تتخذ هذا القرار المهم على بينة، وهناك مؤشرات لا تعتبر معقدة، ويمكن استيعابها ومحاولة تجربتها حتى تتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وذكرت في مقال سابق تحت عنوان "هل لديك القدرة على شراء سكن؟" مجموعة من المؤشرات المباشرة التي توضح مدى توافق إمكاناتك المالية مع وضع السوق، وتساعدك على معرفة مدى قدرتك على شراء السكن وفقا لظروفك وظروف السوق الحالية، وهنا سنستعرض نوعا آخر من التحليل لهذا القرار، وهو كيفية اتخاذ قرار شراء أو استئجار منزل على المدى القريب وفقا لوضع السوق الحالي وتكاليف كل خيار.
وفي البداية، لا بد من التأكيد على أن قرار الإيجار حاليا لا يعني البقاء على الإيجار طوال العمر، وإنما هو قرار مؤقت تحكمه الظروف الشخصية المتعلقة بالاستطاعة المالية، وظروف السوق وتوجهاته على المدى القريب؛ أي فترة تراوح بين عامين وثلاثة أعوام؛ لأنها قابلة للتوقع، لكن في المقابل لا يمكن توقع الأحداث والتغيرات المستقبلية البعيدة المدى، وما يميز لغة الأرقام أنها لغة واضحة لا تقبل المجاملة، ولا سيما إذا كانت المدخلات دقيقة قدر المستطاع، لذا إن أردت نتائج صحيحة تستطيع أن تتخذ من خلالها قرارات استراتيجية سليمة، فلا بد أن تكون مدخلاتك واقعية ومستقاة من السوق، وسيتم توضيح كيف يمكن الحصول على كل رقم بأفضل طريقة ممكنة؛ لأن بعض المعطيات ثابتة، ويمكن الحصول عليها من الجهات المختلفة، بينما الأخرى ستكون هناك حاجة إلى توقعها بناء على مراقبة وضع السوق وتحركاتها، وسؤال أهل الخبرة في ذلك المجال.
هذا النوع من التحليل للمقارنة بين شراء السكن واستئجاره يسمى تكلفة استخدام السكن، ففي كلتا الحالتين ستكون هناك تكاليف تدفعها لأجل الشراء أو الإيجار، وفي حال الشراء للسكن هناك أربعة أمور أساسية تؤخذ في الحسبان، وهي: توجه السوق العقارية السكني من حيث الارتفاع والانخفاض على المدى القريب، وهنا لا بد من متابعة الوحدة السكنية والحي الذي تستهدفه بشكل دوري، وثانيا تكلفة التمويل التي تعني مقدار أرباح المصرف، إذ لا بد من معرفة أن قسط التمويل الشهري يتكون من جزءين، وهما أرباح الممول، والجزء الآخر لسداد أصل التمويل، ولذا يجب أن تحصل على تفاصيل جدول التمويل لتتمكن من معرفة الأرباح فقط من الأقساط؛ لأنها هي التكلفة الإضافية، وثالثا توفر الدفعة الأولى وعوائد الفرصة البديلة عند استثمارها، وهنا من الممكن أن تحقق 2.5 في المائة كعائد سنوي بشكل شبه مضمون من خلال عقود المرابحة مثلا، وأخيرا تكلفة الشراء مثل عمولة السعي لأول سنة، بينما الإيجار يؤثر فيه عامل أساسي، وهو توجه السوق من حيث انخفاض أو ارتفاع الإيجار سنويا.
وكما قيل بالمثال يتضح المقال، ومن الممكن محاكاة هذا المثال، والخروج بنتائج خاصة بك تساعدك على اتخاذ القرار، ولنفترض أنك ترغب في معرفة الوضع خلال السنوات الثلاث المقبلة، وما تحتاج إليه حاليا هو شقة سكنية للإيجار بمبلغ 30 ألف ريال سنويا، ومتوقع أن تزداد قيمة الإيجار بمقدار 10 في المائة سنويا، ونفس مواصفات وموقع هذه الشقة معروضة للبيع بقيمة 500 ألف ريال، لذا أولا لنفترض أن مقدار الانخفاض في الأسعار 5 في المائة سنويا بمتوسط 24 ألف ريال سيتم توفيرها سنويا، وسيكون هذا المبلغ بالسالب في حال توقع ارتفاع الأسعار، واستبعادي للارتفاع نظرا للمؤشرات الحالية التي لا تدعم هذه الفرضية على المدى القريب سواء على مستوى الاقتصاد الكلي أو الجزئي، ولكن يمكن أن تتوقع مقدار الارتفاع أو الانخفاض بحسب وضع السوق الذي تستهدفه، ثانيا سنفرض أن التمويل سيكون لمنزل مرحلي لمدة عشر سنوات بهامش مرابحة 3.5 في المائة سنويا ودفعة أولى تمثل 30 في المائة من قيمة المسكن بمبلغ 150 ألف ريال، وأن الشقة ستعتبر منزلا مرحليا فسيكون متوسط أرباح التمويل سنويا 19600 ريال، ثالثا سنفترض أن العائد من الفرصة البديلة لاستثمار الدفعة الأولى تمثل 2.5 في المائة ليكون المتوسط السنوي 3800 ريال، وأخيرا ستكون عمولة السعي 2.5 في المائة من قيمة السكن بمقدار 12500 ريال. ومن خلال تطبيق تكلفة الاستخدام نجد أن المتوسط السنوي لتكاليف الشراء للثلاث السنوات القادمة تمثل 47400 ريال (24000+19600+3800)، في مقابل متوسط الإيجار السنوي خلال ثلاث سنوات تمثل 36400 ريال, وفي هذه الحالة يظهر أن الإيجار لثلاث سنوات قادمة يوفر عليك 11 ألفا سنويا.
الخلاصة، من المهم إجراء الحسابات اللازمة ومتابعة السوق المستهدفة بشكل دوري للوصول إلى قرار سليم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي