رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التعاملات الإلكترونية الحكومية .. إنفاق أم استثمار

تحدثنا في مقال سابق عن "التعاملات الإلكترونية الحكومية"، وبيّنا أنه ينظر إلى هذه التعاملات، على المستوى الدولي، ليس كغاية، بل كوسيلة تسعى إلى الإسهام في تطوير أداء "الإدارة الحكومية"نحو الأفضل. ولا تأتي هذه التعاملات دون تكاليف. وتنقسم هذه التكاليف إلى ثلاثة أقسام رئيسة هي: تكاليف "البنية الأساسية" للتعاملات التي تمكّن تحوّل التعاملات من الشكل اليدوي إلى الشكل الإلكتروني؛ ثم تكاليف "تشغيل" هذه البنية وتنفيذ وظائفها المختلفة والقيام بصيانتها؛ إضافة إلى تكاليف "تحديثها" وتطويرها والاستجابة للمتطلبات المتجددة المرتبطة بها. وفي إطار كل من هذه الأقسام الثلاثة هناك: تكاليف ترتبط بالأجهزة والوسائل التقنية؛ وتكاليف تتعلق بالمهارات البشرية التي يحتاج إليها العمل؛ وتكاليف أخرى إدارية وفنية، ناهيك عن تكاليف المكان، وتزويده بالمتطلبات المختلفة التي يحتاجها.
إلى جانب تكاليف التعاملات الإلكترونية الحكومية، تتمتع هذه التعاملات بفوائد عديدة.ولا بد للقيمة التي تقدمها هذه الفوائد من أن تتجاوز قيمة التكاليف، كي تكون التعاملات الإلكترونية الحكومية "استثمارا رابحا" وليس "إنفاقا دون جدوى، أو ربما محدود الجدوى". وعلى الرغم من وجود "معايير دولية" لتقييم هذه التعاملات الإلكترونية وتصنيف الدول على أساسها، إلا أن هذه المعايير الدولية لا تتضمن أي معيار يهتم "بقيمة فوائد التعاملات مقارنة بقيمة ما ينفق على إقامتها أو ما يستثمر فيها". وقد طرحنا في مقال سابق المعايير الدولية بمحاورها المختلفة، ورأينا أنه لا بد من الاهتمام بتقييم "كفاءة الإنفاق" على التعاملات، كي تكون "جدوى" هذه التعاملات واضحة أمام الجميع، وهذا ما سنحاول مناقشته فيما يلي:
تنطلق فوائد التعاملات الإلكترونية الحكومية من توجهها نحو "تطوير الإدارة الحكومية". وعلى ذلك فالأطراف المستفيدة من هذه الفوائد هي تلك التي تستفيد من هذا التطوير. وهذه الأطراف ثلاثة هي: طرف "الإدارات الحكومية" التي تقدم تعاملاتها إلكترونيا، ثم طرف"مستخدمي هذه التعاملات من أفراد ومؤسسات"؛ إضافة إلى طرف "المجتمع"، حيث تتم هذه التعاملات وتعطى فوائدها. وتنقسم الفوائد التي تجنيها هذه الأطراف الثلاثة إلى قسمين: فوائد مباشرة "ملموسة"؛ وفوائد غير مباشرة و"غير ملموسة" لكنها مؤثرة و"محسوسة".
يتفرع كل قسم من أقسام الفوائد إلى فرعين: فرع يختص بالفوائد الأولية "غير المتكررة" التي يتم الحصول عليها "لمرة واحدة" عند التحول من العمل الورقي إلى العمل الإلكتروني؛ ثم فرع يتعلق بالفوائد "المتكررة" التي يتم الحصول عليها مع كل إجراء في التعاملات يجري تنفيذه. وفي إطار كل من هذين الفرعين، هناك نوعان من الفوائد: فوائد ترتبط بمقارنة الأداء بين تنفيذ التعاملات ورقيا وتنفيذها إلكترونيا، والتطوير الذي يحققه التنفيذ الإلكتروني؛ ثم فوائد خاصة يتيحها التنفيذ الإلكتروني، ولم تكن ممكنة في التنفيذ الورقي.
بناء على التقسيمات السابقة وتفرعاتها، هناك "ثمانية أصناف" من الفوائد التي تقدمها التعاملات الإلكترونية "قسمان يتفرعان إلى فرعين لكل قسم، ثم إلى نوعين لكل فرع". وفي سبيل توضيح كل من هذه الأصناف، سنقدم مثالا عن كل صنف، مع بيان الطرف أو الأطراف المستفيدة منه.
تعتبر فائدة "تقليص متطلبات المساحة المطلوبة لتنفيذ التعاملات"من الفوائد التي تنتمي إلى قسم الفوائد "الملموسة"؛ وتتعلق بفرع الفوائد الأولية "غير المتكررة" التي تقدمها التعاملات الإلكترونية مرة واحدة عند إنشائها، وتستمر بعد ذلك دون انقطاع. وترتبط هذه الفائدة بنوع الفوائد التي تؤدي إلى تحسين الأداء مقارنة بالتعاملات الورقية. وتستفيد الإدارة الحكومية صاحبة العلاقة من هذا النوع من الفوائد؛ وكذلك مستخدمو هذه التعاملات، بما في ذلك الأفراد والمؤسسات؛ ومن خلال ذلك تتوسع دائرة تأثير هذه الفوائد لتشمل المجتمع بأسره.
وترتبط فائدة "الحد من حركة المرور المطلوبة لتنفيذ التعاملات" كسابقتها بقسم الفوائد "الملموسة"؛ لكنها تتعلق بفرع الفوائد "المتكررة" التي تتجدد مع كل إجراء يجري تنفيذه إلكترونيا. وهي من الفوائد التي تعطي تميزا في الأداء مقارنة بتنفيذ التعاملات ورقيا. وتستفيد الإدارة الحكومية من هذه الفائدة في الحد من ازدحام المراجعات على أبوابها؛ كما أن هذه الفائدة تمكّن الأفراد والمؤسسات أصحاب العلاقة في التعاملات من الحد من فقدان الوقت؛ ويضاف إلى ذلك الكسب الذي يحصل عليه المجتمع من خلال ذلك، ومن الحد من تلوث البيئة أيضا.
وبين أمثلة الفوائد "غير الملموسة"، التي تعطي أداء أفضل من أداء التعاملات الورقية، فائدة "الحد من التوتر الإنساني" الذي يرافق حركة المرور وزحمة المراجعات؛ثم فائدة "الحد من تعقيدات التعاملات" الناتجة عن كثرة الأوراق، وغياب الموظفين أصحاب العلاقة أحيانا. ولهذه الفوائد بالطبع أثر إيجابي في جميع الأطراف أصحاب العلاقة: الإدارة الحكومية، والمستخدمون، والمجتمع بأسره.
ومن أمثلة "الفوائد الخاصة" التي تتيحها التعاملات الإلكترونية، وبشكل "متكرر" مع كل إجراء، كل من: متابعة تقدم إجراءات التعاملات "بشفافية"؛ وحماية "أمن" هذه الإجراءات من خلال وسائط إلكترونية. أما الفوائد الخاصة الأخرى، غير المتكررة مع الإجراءات، فلها أمثلة أخرى تتضمن: تحقيق مستوى أعلى من "الرفاهية" في حياة الإنسان الاجتماعية والمهنية، وهذه فائدة محسوسة ولكن غير ملموسة؛ إضافة إلى "توسيع رؤية أصحاب الأعمال للمشاريع الحكومية" وتفعيل المنافسة الإيجابية بين الجميع، وهذه فائدة مادية ملموسة. وفي كل ذلك بالطبع مزايا لجميع الأطراف ذات العلاقة.
هناك بالطبع أمثلة أخرى لفوائد كثيرة تحمل قيمة للإدارات الحكومية وللمستخدمين وللمجتمع بأسره. لكن ذلك ليس كل شيء في تقييم الاستثمار في التعاملات الإلكترونية الحكومية. فهناك وسائل لتعزيز هذه الفوائد. ومن ذلك على سبيل المثال إعادة النظر في إجراءات التعامل الورقية قبل تحويلها إلى إجراءات إلكترونية، من أجل تطوير كفاءتها وتحديد متطلباتها بشكل أمثل، ثم الاحتفاظ بهذه الفوائد المضافة عند إجراء التحويل المطلوب. ويعرف هذا الأسلوب بأسلوب "إعادة هندسة" إجراءات الأعمال، ويطلق عليه أيضا اسم "الهندرة".
مع النجاح المطرد الذي تحققه التعاملات الإلكترونية الحكومية في "تطوير الإدارة الحكومية" في المملكة، علينا ألا نكتفي بالمعايير الدولية وأي معايير أخرى متاحة حاليا في تقييم هذه التعاملات والسعي إلى الاستفادة من هذا التقييم، بل علينا أن نهتم أيضا "بوضع معايير متجددة"، توضح"كفاءة الاستثمار" في هذه التعاملات، وتهتم "بالتطورات التقنية المتجددة"، وتستفيد من تراكم "الخبرات المحلية والدولية"، ولعل في ذلك ما يغري جميع المهتمين بإعداد مقالات أخرى حول هذه الموضوعات في المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي