قمة "أوبك" بين الرياض والنفط والسياسة
تحتضن عاصمتنا الحبيبة مرة أخرى قمة من قمم العالمين السياسي والاقتصادي، ويأتي اجتماع زعماء منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) مختلفاً بشكل كبير عن تاريخ اجتماعات زعماء المنظمة. ولعل الاختلاف يأتي على أوجه عدة، منها ما يتعلق بالدولة المحتضنة للمؤتمر، ومنها ما يتعلق بالمتغيرات العالمية السياسية منها والاقتصادية.
ولعل احتضان المملكة هذا الاجتماع في هذا الوقت بالذات، هو إعادة إثبات لما تملكه المملكة من تطلع عالمي لاتخاذ موقعها الصحيح والمناسب كدولة فاعلة على مستوى المجتمع الدولي. ولعل الجولات السياسية والاقتصادية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين خلال العامين الماضيين كانت توثيقاً للتوجه الكبير الذي تحمله المملكة على المستويين السياسي والاقتصادي، يترجم ذلك الكثير من المبادرات التي تقودها المملكة على المستويين الإقليمي والدولي مما يعكس حجم التأثير الذي يُفترض في أكبر مصدر للنفط في العالم أن يعكسه على مجريات الأحداث. وعند ترقبي هذا المؤتمر لم أجد بداً من ربط احتضان المملكة لهذا المؤتمر بالاهتمام العالمي الذي تعيشه المملكة، وعندها فلا عجب أن يكون الحدث على مستوى احتضان المملكة له، ولا أبالغ إذا قلت إن تجمع تلك الأسباب يعطي مؤشراً على مستقبل القرارات التي يمكن أن تخرج بها هذه القمة، والتي أجزم بأن أنظار العالم السياسية تترقب مخرجات تلك القمة.
وعندما نعود جميعا بالذاكرة إلى تاريخ أسعار النفط وارتباطه بالقمم السابقة فإن ذلك يجعل من هذه القمة حدثاً مختلفاً، فعندما عقدت قمة زعماء (أوبك) عام 2000م، كانت أسعار النفط تعد من الهموم التي ناقشتها تلك القمة، والمثير للاهتمام أن الأسعار في تلك الفترة في مستوى 30 دولارا للبرميل، أي بعد أعوام معدودة لأسعار شد الحزام في عشرة دولارات مما انعكس على تلك القمة بمحاولة الحفاظ على تلك الأسعار لصالح الدول المصدرة. ولذلك فإن حال القمة اليوم يختلف كون أسعار النفط تقارب المائة دولار للبرميل والعوامل الداخلية لصناعة النفط كبيرة وكثيرة، فمعدلات النمو الاقتصاد للدول المصدرة، وتتبعها معدلات التضخم، وانخفاض سعر الدولار أمام العملات العالمية، وازدياد الطلب العالمي على الطاقة، والجزء الاستثماري المتمثل في صناديق الاستثمار في سوق النفط، جميعها تمثل ثقلاً في محاولة قراءة ما ستنتج عنه قمة الرياض. ولعلنا تابعنا ماهية القضايا التي ستطرح على جدول أعمال القمة والتي يتصدرها موضوع توفير إمدادات النفط، والتزام المنظمة والدول الأعضاء فيها بالعمل على استقرار أسواق النفط من ناحية الإمداد والأسعار، من خلال إمداد العالم باحتياجاته النفطية بصورة تتسق مع احتياجات الدول المستهلكة والمنتجة ومتطلباتها. ولعل هذا المحور يمثل أهمية كبيرة، كما ذكرنا، كون الطلب المتزايد على النفط أصبح أمراً لا يحتاج إلى حسابات، فظهور الكثير من القوى الاقتصادية جعل إمدادات النفط تعجز عن الإيفاء باحتياجات النمو الاقتصادي العالمي، وهذا بلا شك يقودنا إلى التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية المصاحبة للعمود الفقري للتقدم العالمي.
والجزء الأهم في موضوع النفط هو العنصر السياسي الذي بلا شك يمثل مربط الفرس في التعاملات النفطية على مستوى الأسعار ومستوى الطلب. فالأحداث السياسية العالمية تؤثر بشكل كبير في الخطط الاقتصادية والنفطية للدول، والحديث يصبح أكثر أهمية إذا كان عن الاستقرار السياسي للدول المصدرة للنفط فالعراق ونيجيريا أمثلة حيّة على ما تحمله الأمور السياسية من عظيم التأثير في الخطط النفطية المتكاملة.
قمة الرياض ستكون مؤشراً مهماً لمتغيرات الأحداث المستقبلية على جميع المستويات، لأنها الرياض، ولأنها الدولة المؤثرة في سوق النفط العالمي، ولأنها اللاعب الأكثر حيوية على المستويين السياسي والاقتصادي خلال السنتين الماضيتين، ولأن القمة .. قمة النمو الاقتصادي العالمي وقمة الأحداث السياسية الساخنة.