توظيف الرقمنة في خدمة أهداف الشركة
أثيرت قضية تحول الشركات إلى الرقمية أو تجاهلها لأكثر من عقد. وفي حين تقبل عديد من الشركات المسألة على أنها أمر واقع، إلا أننا نرى أن المسألة برمتها في أفضل الأحوال قد تتسبب في الإرباك للشركات، وفي أسوأها قد تكون مبهمة بالنسبة للشركات المعنية.
تأتي المعلومات عن "الثورة الرقمية" وتأثيرها في عالم الأعمال في كثير من الأحيان عن طريق المحللين والاستشاريين ووسائل الإعلام، بينما تورد القليل منها من تجارب الشركات نفسها، وخبرات المديرين الذين يتعاملون مباشرة مع الحقائق الجديدة التي تكشفها الرقمية في كل يوم. لذا قمنا بدراسة الرقمية على أرض الواقع لكشف مدى مصداقية هذه المعلومات. وكان الهدف من هذه الدراسة فهم الآثار المترتبة عن التكنولوجيا الرقمية في الشركات، وكيف يتم دمجها في المؤسسات، ومعرفة توقعات المديرين ومجالس الإدارة من الرقمنة، وإلى أي مدى تستطيع تغيير أسلوب العمل.
جاءت النتائج التي توصلنا لها في التقرير عن التأثيرات الحقيقية للرقمنة من الناحية العملية مفاجئة ومخالفة لجميع توقعاتنا. أجرينا استطلاعا يشمل 1160 من المديرين والتنفيذيين وأعضاء مجالس الإدارة لمجموعة واسعة من الشركات والقطاعات في مناطق جغرافية مختلفة، شارك جميعهم بمبادرات رقمية بطريقة أو بأخرى.
وكان من المثير للاهتمام اختلاف مفهوم الرقمنة من شركة لأخرى. كما لم يكن من السهل تقسيم المبادرات الرقمية إلى 20 فئة. كما توصلنا إلى أن شريحة واسعة ومتنوعة من مشكلات الشركات تمت معالجتها باستخدام الرقمية. رغبة الشركات في تفعيل العلاقة مع العملاء ورفع الكفاءة، كانت من أهم الأسباب التي دفعتها للمشاركة في المبادرات الرقمية. بينما كان الدافع من المبادرات الأخرى يصب في مصلحة التسويق والمبيعات في المقام الأول. فالتحديات الناجمة عن انخراط الشركات في عالم الرقمية واسعة النطاق. وفي حين تسير بعض الشركات على خطى "الثورة الصناعية الرابعة"، لا يزال البعض الآخر يجد صعوبة في التواصل مع الموظفين عن طريق البريد الإلكتروني.
غالبا ما تكون الاحتياجات المتنوعة للشركة وتطلعاتها، هي الدافع الأساس لتوجهها نحو الرقمية، وليس الرغبة في اتباع نهج سائد للاستراتيجية الرقمية. حيث يقوم الأشخاص العاديون في الشركة بمثل هذه المبادرات في معظم الحالات بهدف تحقيق أهداف معينة، قد يبدو بعضها صعب المنال من دون الابتكار في التقنيات الرقمية.
تطلق المبادرات الرقمية وتدار عموما من قبل الموظفين العاديين في قسم العمليات في الشركة. وتتقاطع في بعض الأحيان مع أقسام مختلفة، لكن من النادر تطبيق المبادرات الرقمية على مستويات الشركة كافة، أو بتكليف من مستويات الإدارة العليا فيها. كما ليس بالضرورة أن تكون الإدارة العليا في الشركة أو أعضاء مجلس الإدارة على علم بالمبادرات القائمة.
يشير أكثر من ثلث المشاركين إلى أن المبادرة الرقمية قد حققت هدفها أو تجاوزت التوقعات، في حين يرى 60 في المائة منهم أنه من المبكر التصريح بذلك.
من المثير للاستغراب، أن يعزو قلة فقط من بين أولئك الذين يدعون النجاح (12 في المائة فقط) سبب نجاحهم إلى استخدام التكنولوجيا المناسبة. ويبدو أنه على الرغم من توصيف الرقمنة في أغلب الأحيان على أنها تكنولوجيا، لكنها إلى حد كبير مزيج من الرؤية الصحيحة، والقيادة الفعالة، وثقافة داعمة تفرق بين النجاح والفشل. عادة ما تبدأ المبادرات الرقمية الناجحة من خلال فهم الكيفية التي تقوم بها بتغيير بيئة العمل، ومن ثم تحديد الآلية التي تقوم بها كل من الشركة ومنتجاتها وخدماتها ونموذج أعمالها، بالاستفادة من الفرص التي تتيحها الرقمنة.
ترى غالبية الشركات التي شملتها الدراسة الرقمية أنها عبارة عن رحلة استكشاف غير محددة الوجهة. فكل شركة تتبع مسارا خاصا بها في العالم الرقمي، وتشق طريقها بحسب التحديات التي تواجهها والفرص المتميزة. وهكذا فإن السؤال الذي يجب طرحه هنا، يجب ألا يكون "كيف بالإمكان تحويل شركتي رقميا؟"، بل "كيف يمكنني تحقيق ميزة تنافسية في العالم الرقمي؟ وكيف باستطاعة التكنولوجيات الناشئة في العالم مساعدتي على تحقيق النجاح؟".
لا يوجد أسلوب واحد في الرقمية يناسب الجميع أو طريقة صحيحة للتحول إلى الرقمية، حتى فكرة المقارنة بتجارب مماثلة غير واردة على اعتبار أن الحلول الرقمية لم تنضج بعد. يقود ذلك لسؤال جوهري حول إذا ما سيكون هناك نموذج رقمي واحد تعتمده الشركات، أو على النقيض، ستخلق الرقمية فرصا تتناسب مع شركة بعينها، ونموذج عملها، والإجراءات المتبعة فيها، وقد يصل بها الأمر لأن تكون بعدد الشركات الموجودة.
شكلت النتائج التي توصلنا إليها، الأساس للتوصيات العشر الموجهة للمديرين والتنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة الساعين لإدارة الرقمنة بشكل فعال داخل شركاتهم:
1 - بلورة معنى الرقمنة ضمن سياق الشركة وأهدافها، ومناقشة الكيفية التي تقوم بها وسائل الإعلام والمختصون بتعزيز الرقمية.
2 - اختر طريقك في العالم الرقمي وحقق ميزة تنافسية من خلال تحديد الدور الذي تلعبه التكنولوجيا الرقمية في هيكلة شركتك، وتطوير المنتجات والخدمات التي تقدمها.
3 - احرص على أن يكون جميع الأشخاص مضطلعين بالرقمنة من خلال تحقيق الفهم المطلوب لها على جميع مستويات الشركة، ابتداء من أعضاء مجلس الإدارة إلى أصغر موظف.
4 - احرص على استكشاف الفرص التي توفرها الرقمنة بعناية قبل الالتزام بحل أو استراتيجية رقمية محددة.
5 - كن حريصا عند استشارة المختصين في الفضاء الرقمي، الذين غالبا ما يكونون متحيزين بحسب خبرتهم.
6 - إشراك مجلس الإدارة في الرقمنة، وخاصة في الحالات التي تقود إلى تحول نموذج الأعمال المعمول به، لوجود تأثير كبير لهذه المبادرات في المؤسسة بأكملها وارتباطها بشكل وثيق بمدى نجاحها.
7 - اجعل الأشخاص والإدارة والثقافة السائدة، المحرك الأساس لعجلة الرقمنة.
8 - ضرورة قياس الآثار المترتبة عن الرقمنة والدور الذي تلعبه في تحقيق أهداف الشركة.
9 - لا تشعر بالحاجة إلى خلق استراتيجية رقمية شاملة قد لا تحتاج إليها.
10 - إدارة الآثار الناجمة عن المبادرات الرقمية على كامل المؤسسة، فحتى التعديلات الصغيرة قد تتطلب تغييرات واسعة النطاق.
الخلاصة
تتغير التكنولوجيا الرقمية بشكل سريع، وتتخطى الحدود الموجودة باستمرار. وستواصل القيام بذلك وبشكل أسرع مما سبق. لذا يتعين على الشركات في المقام الأول فهم طريقة سير الأعمال في العصر الرقمي بشكل عام لتستطيع المنافسة، ومن ثم دراسة تأثيراتها في الشركة على المدى الطويل، وطريقة إدارتها، وأخيرا طريقتها في خلق القيمة.
يحتاج المديرون والتنفيذيون ومجالس الإدارة عند التفكير في نوع الاستثمارات والقدرات المطلوب تطويرها، إلى الأخذ في عين الاعتبار الفرص الغنية للإبداع والتميز التي تتيحها الرقمنة وغير المتوافرة في الوقت الراهن. وللاستفادة من ذلك لا بد من الاستكشاف والفهم والبصيرة.
وخلاصة القول، يجب عدم الانجرار من دون تفكير نحو الرقمنة لتحقيق مكاسب وهمية، ولكن في المقابل ينبغي عدم تجاهل الإمكانات الكبيرة التي يتيحها الابتكار في التقنيات الرقمية.