تأثير الاندماجات والاستحواذات الأخيرة في الصناعات البتروكيماوية العالمية

تأثير الاندماجات والاستحواذات الأخيرة في الصناعات البتروكيماوية العالمية

[email protected]

تقوم الشركات البتروكيماوية العالمية بتقييم أدائها بشكل دائم ومستمر، وتعمل على دراسة الأسواق ومنافسات الشركات الأخرى ومواقعها المالية والتقنية. يمكن القول بالعموم إنه لا مكان للصغير أو للضعيف في عالم البتروكيماويات. ومن أجل ذلك نرى أن الشركات البتروكيماوية العالمية في سباق مع الزمن من أجل تحسين أوضاعها المالية والتقنية. وتقوم هذه الشركات بدراسة دائمة لأوضاعها والتساؤل المستمر أيهما أفضل للشركة وأصحابها (من حيث المردود المادي)، الاستمرار في التصنيع أم بيع الشركة؟
توجد عدة أسباب لأي قرار بالاندماج أو البيع أو الاستحواذ، منها تقلبات أسعار النفط، سهولة الحصول على اللقيم ورخص سعره، وأيضا أسعار المنتجات البتروكيماوية، امتلاك الشركات تقنيات جديدة وفعالة، إضافة إلى طبيعة اتجاه الأسواق والدورات البتروكيماوية التى تشهدها الأسواق كل سبع إلى عشر سنوات صعوداً وهبوطا، وأخيرا النمو الاقتصادي العالمي وأثره المحسوس على أغلب الصناعات.
كما يجدر الانتباه إلى أن العالم يتغير بشكل يومي، وأوضاع الشركات تتغير معه أيضا. ويجب إدراك أن تقدم الشركات التقني وامتلاكها أفضل العمليات الصناعية من حيث الأداء والفاعلية ونوعية المنتج يعد من أهم أسباب استمرار الشركات وبقائها، ولذلك نجد أن معظم هذه الشركات يملك مراكز أبحاث منتشرة حول العالم تعمل ليلا ونهاراً من أجل الحصول على منتجات جديدة أو تطوير عمليات تزيد من أرباح الشركة. ولا بد من الإشارة إلى أن قوة إدارة الشركات وشفافيتها تعد من الأسباب المؤثرة أيضا في استمراريتها، وكلما غلب المديرون التنفيذيون مصلحة شركاتهم على مصالحهم الشخصية كان الازدهار والعكس صحيح.
من الجلي والواضح أنه لا مكان إلا للقوي والغني في هذه الصناعة الملتهبة، ومن هنا تبدأ الحاجة إلى حركة دائمة من أجل البقاء والمنافسة، والعاقل الذي يستطيع أن يقرأ مستقبل هذه الصناعة ويعرف اتجاهها فالكثير من الصناعات التقليدية ربما لا تكفي من أجل ضمان البقاء المربح والمريح في عالم البتروكيماويات.
ومن أبرز الأمثلة لهذا الحراك الصناعي بيع شركة بازل، التي تأسست عام 2000م بالشراكة ما بين شل الكيميائية ومجموعة باسف الألمانية، لتأخذ على عاتقها صناعة البولي أوليفينات، فأصبحت في فترة وجيزة أكبر منتج للبولي بروبيلين في العالم. تم بيع شركة بازل إلى مجموعة أكسس الصناعية التي مقرها نيويورك عام 2005م. أسس مجموعة أكسس الصناعية رجل روسي المولد يدعى برافاتنك. حاول الإيرانيون جاهدين الاستحواذ على "بازل" بإبداء رغبتهم القوية، ولكن ضغط الحكومة الأمريكية على كل من شركة "شل" و"باسف" أبقى الإيرانيين خارج المنافسة وكانت قيمة الصفقة 5.4 مليار دولار.
ومن المفيد ذكره أن مبيعات "بازل" وصلت عام 2004م إلى 8.2 مليار دولار، وأما الأرباح فقد وصلت إلى 175 مليون دولار. وأما إنتاجها من المواد البتروكيماوية فقد وصل إلى 7.8 مليون طن، ووصلت المبيعات إلى 14 مليار دولار عام 2006م. وتعتبر "بازل" أكبر منتج للبولي بروبيلين في العالم، وأكبر منتج للبولي إيثيلين في أووربا، ويكفي أن نعلم أن بازل تعتبر من أكبر ملاك تقنيات إنتاج وتصنيع البولي بروبيلين، وأن 40 في المائة من إنتاج البولي بروبيلين العالمي يأتي بواسطة تقنيات "بازل".
كل هذا يجعل الاستحواذ على "بازل" بمثابة حلم استراتيجي لمن يريد أن يملك النفوذ والتفوق في الصناعات البتروكيماوية، وكم كان الأمل أن تقوم بشراء "بازل" شركة بتروكيماوية خليجية أو تحالف شركات خليجية، طبعاً هذا إذا وافقت الإدارة الأمريكية.
وفي أوائل الصيف الحالي تم بيع شركة هانتسمان الأمريكية بأكملها لمجموعة "أبولو هايكسون"، وبلغت قيمة الصفقة 10.6 مليار دولار، وحاولت "بازل" جاهدة الحصول على "هانتسمان" ولكن بغير فائدة.
ويمكننا القول إنه بعد ما حصلت مجموعة "أكسس" على "بازل" فإنها لم تألو جهداً في محاولة الحصول على شركات أخرى، فحاولت الحصول على "جنرال إلكتريك للبلاستيك" GE، ولكنها فشلت وتمت الصفقة لـ "سابك" وحاولت الحصول على هانتسمان (الأمريكية) ولكنها أيضاً فشلت. ولكن تم الإعلان أخيرا (يوليو 2007م) على أن "بازل" أخيراً استطاعت الحصول على شركة لايوندول الكيماوية بصفقة تقدر بـ 19 مليار دولار، وهذا الاستحواذ سيجعل "بازل" من أكبر الشركات البتروكيماوية في العالم.
تمتلك "لايوندول" أعمالا في ثلاثة قطاعات، وهي: إنتاج الإيثيلين ومشتقاته، قطاع أكسيد البروبيلين وما ينتج عنه من البولي يوريثين والبروبيلين جلايكول، أما القطاع الثالث فهو قطاع التكرير، وتكمن أهميته في أنه ينتج اللقيم المهم لصناعة البتروكيماويات. وقد علق الروسي برافاتنك رئيس مجموعة "أكسس" أن هذه الصفقة سينتج عنها ميلاد شركات بتروكيماوية قد تكون من الأكبر في العالم، وسوف تدعم هذه الصفقة مجموعة "أكسس" وتجعلها تقترب من أهدافها الاستراتيجية، ألا وهي وصولها إلى قمة صناعة البتروكيماوية العالمية.
ورجح بعض المختصين على أن يكون أحد أسباب خسارة "بازل" لصفقة "هانتسمان" هو أنها كانت تنوي أن تشتري شركة "لايوندول"، فلم تكن سخية في عرضها لشراء "هانتسمان" وكان الفارق ما بين عرضها وعرض مجموعة "أبولو" مليار دولار، وهذا يعني أن تقدمها لشراء "هانتسمان" قد يكون مناورة استراتيجية الغرض منه عدم لفت الانتباه لصفقة "لايوندول".
الحقيقة أن أحد أهم أسباب إبداء "بازل" الرغبة القوية لشراء "لايوندول" بتقديمها عرضا مغريا (19 مليار دولار)، هو أن الأخيرة تمتلك عدة مصافي، ما جعلها من أهم المنتجين للبروبيلين والإيثيلين (أهم لقيمين للبتروكيماويات)، وأما "بازل" فهي من أهم المنتجين للبولي بروبيلين والبولي إيثيلين، ومن هنا كان هذا الشراء مصيريا لـ "بازل" وذلك لتأمين اللقيم من أجل ضمان المنافسة في الأسواق الأمريكية والعالمية، أي أن هذه الصفقة تدخل تحت اسم التكامل بين صناعة التكرير والصناعات البتروكيماوية.

الأكثر قراءة