فوضى الورش الصناعية .. والتخلص الذكي
لا يشك منصف في أنه كانت لدينا قطاعات كثيرة غارقة في الفوضى والمحسوبيات والتستر لكنها بقوة الإرادة وهمة الكفاءات التنفيذية الناجحة أصبحت خاضعة لقوة النظام، وبالتالي تقلصت المخالفات، وتعززت المنافسة، وتحسن الأداء بشكل ملحوظ، وأصبح البقاء للأفضل وهذا منطق طبيعي، فحين يسود النظام لا يستطيع المتلاعبون والمماطلون الصمود في البيئات الشفافة والناجحة.
ولو نتذكر كيف كانت هذه القطاعات قبل تطبيق الأنظمة الحديثة؟ وكيف تغيرت تماما بعده ومنها قطاعات المعاهد التجارية، والمكاتب المحاسبية، ومكاتب الاستقدام، والمساهمات التجارية، وشركات الغذاء والدواء وغيرها، وقطاع الورش الصناعية المتخصصة في صيانة السيارات لا يختلف عن بقية القطاعات التي ذكرتها قبل تطبيق الأنظمة.
ولا يزال في نظري أسوأ القطاعات الغارقة في الفوضى والتستر والاستغلال البشع للمتعاملين معه، ويمثل وجوده بهذا الشكل إحراجا بالغا للدولة، وبؤرة فساد متراكمة يتداخل فيها فساد البيئة، وجرائم العمالة، وندرة التوطين، ولا يليق هذا الوضع المتردي بدولة تطمع أن تعزز دورها التنموي والصناعي وتوفر مزيدا من فرص العمل في رؤية 2030.
تقول الإحصاءات التقديرية إن مناطق المملكة ومحافظاتها تحتضن ما يقارب 120 ألف ورشة صناعية يعمل فيها ما يقارب 250 ألف عامل ليس بينهم سعودي واحد، تتجمع هذه الورش في مناطق صناعية بدائية تفتقد كل معايير التشغيل الصحية والبيئية، وعلى شكل أنشطة فردية يتحكم فيها وافدون ويفتقرون إلى الحد الأدنى من المؤهلات الفنية التي تخول لهم العمل في هذا القطاع المهم، حيث لا يحتاج الأمر سوى إلى تصريح من وزارة البلديات بافتتاح ورشة وسجل تجاري ومن ثم استقدام عشرات العمال عن طريق وزارة العمل، ما جعل العبء على الجهات الأمنية في تزايد شكاوى المستهلكين، وارتفاع عمليات النصب والاستغلال، وكذلك ارتباط معظم هذه البؤر بجرائم خطيرة فيما يتعلق بتشليح وسرقة السيارات وغيرها.
شخصيا، أرى أن الحل في أن تتخلى وزارة الشؤون البلدية عن هذا القطاع ويعاد تنظيمه تحت إشراف “هيئة المدن الصناعية” التي نجحت في تنظيم وتشغيل مجموعة من المجمعات الصناعية بفلسفة جديدة ورقابة صارمة، ولا يمكن أن ينجح التنظيم في استمرار هذا القطاع باجتهادات فردية، بل الحل في صياغة لوائح تنظيمية جديدة لإنشاء شركات صيانة محترمة، بضمانات مالية، وكفاءات فنية وإدارة وطنية، ومع التنظيم الجديد نستطيع أن نحول هذا العدد المهول من آلاف الورش إلى عدد محدود من الشركات المهنية المحترمة بعمالة أقل وكفاءات أفضل، ولا يمنع دخول أصحاب الورش السابقة كمساهمين فقط، على أن تراقب هيئة المدن رأس المال المقترح للشركات، ونسبة التوطين لكل شركة من خلال تحديد عدد من الوظائف المقتصرة على السعوديين فقط في المرحلة الأولى مثل مدير الشركة، والمحاسب، ومدير المستودعات، خدمة العملاء، وتحديد المساحات المخصصة لكل شركة وساعات العمل.
ومتابعة شكاوى العملاء، والحد من المشاكل البيئية والأمنية التي أوجدتها الورش الحالية، بما يضمن بيئة تنافسية لشركات الصيانة، كما يمكن التنسيق مع المؤسسة العامة للتدريب الفني لتدريب وتوظيف نسبة معينة من خريجيها في هذه الشركات ومضاعفة الحوافز للشركات التي تهتم بالتوطين، وبذلك نكون قد وضعنا الخطوات الأولى لتوطين هذه الصناعة المهمة.
أما نجاح هذه الشركات فالأرقام مشجعة جدا في ظل النمو الهائل في سوق قطاعات السيارات في المملكة الذي يعد الأعلى في الشرق الأوسط بوجود ثمانية ملايين سيارة، تزيد سنويا بـ800 ألف سيارة بقيمة 94 مليارا وستصل في 2020 إلى 14 مليون سيارة.