آراء وكالة الطاقة الدولية لا تواكب أرقامها
في عام 2015، بلغت توقفات الإنتاج من "أوبك" وحدها 2.5 مليون برميل في اليوم بقيادة ليبيا وإيران، مع ذلك استمرت مخزونات النفط الخام العالمية في الارتفاع بمعدل مليوني برميل في اليوم. وفي هذا العام، حجم التوقفات حتى الآن يزيد على 2.5 مليون برميل في اليوم، حيث حدثت انقطاعات في الإمدادات في أوقات مختلفة في نيجيريا، أنجولا، العراق، الإمارات، الكويت، فنزويلا، البرازيل، الإكوادور، كولومبيا، كازاخستان وأخيرا كندا. كما أن الطاقات الإنتاجية الاحتياطية بالكاد تتجاوز الآن مليوني برميل في اليوم، جميع هذه التطورات تعتبر محفزا لارتفاع الأسعار. مع ذلك ارتفع المخزون العالمي بأكثر من مليون برميل في اليوم في الربع الأول من العام، استنادا إلى إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ووكالة الطاقة الدولية.
ما أكدته الاستجابة المتواضعة للأسعار هو أن العرض كان بالفعل متقدما على الطلب بفارق كبير تماما كما حذر البعض من احتمال حدوث أزمة في طاقات التخزين في وقت ما في النصف الأول من هذا العام، ونتيجة لذلك حذروا من مستويات منخفضة جديدة في الأسعار. انقطاعات الإنتاج غير المبرمجة أعطت دفعة لأسعار النفط، لكنها في الوقت نفسه كانت مصدر عدم يقين كبيرا بالنسبة لتوقعات الأسعار خصوصا مع توقع قفزة في الطلب على نفط "أوبك" بمقدار 1.5 مليون برميل في اليوم في النصف الثاني من العام. إذا ما استمر هذا الحال، فإنه سيدفع الأسواق إلى التوازن بسرعة، أو ربما الطلب قد يتفوق فعلا على العرض.
في الوقت الذي تدعم فيه الشكوك إزاء العرض أسعار النفط، فإن المناخ الاقتصادي العام ليس واعدا كما ينبغي، حيث إن مستوى نمو عالمي بنسبة 3 في المائة يعتبر بشكل عام الحد الأدنى المطلوب لتحقيق تحسينات عامة في مستويات المعيشة. وأخيرا خفضت الأمم المتحدة توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي لهذا العام إلى 2.4 من 2.9 في المائة الذي توقعته قبل ستة أشهر فقط، كما أن آفاق 2017 أقل بكثير من اتجاهات ما قبل الأزمة. والأسباب هي: الكوارث المناخية، التحديات السياسية، تراجع تدفق رؤوس الأموال الخارجية إلى الأسواق الناشئة، انخفاض أسعار السلع الأساسية، تردي الوضع الاقتصادي لروسيا والبرازيل، وبالطبع التهديدات لاستقرار الاتحاد الأوروبي من خروج بريطانيا.
على الرغم من هذه المستجدات، يبين أحدث تقرير شهري لوكالة الطاقة الدولية فقط تغييرات متواضعة للتوقعات التي نشرت في نيسان (أبريل). حيث أبقت نمو الطلب على النفط لهذا العام دون تغيير عند 1.2 مليون برميل في اليوم، لكنها لأول مرة تحذر من أن المخاطر لهذا التوقع هي في الاتجاه التصاعدي وليس الهبوطي. كما أنها أضافت نحو 100 ألف برميل في اليوم إلى انكماش الإمدادات من خارج "أوبك" لتصل إلى 800 ألف برميل في اليوم، وبعد الأخد في عين الاعتبار التنقيح التصاعدي للطلب في عام 2015، فإن المحصلة النهائية هي ارتفاع الطلب على نفط "أوبك" في عام 2016 بنحو 230 ألف برميل في اليوم ليصل إلى 32.28 مليون برميل في اليوم، مقارنة بإنتاج المنظمة لشهر نيسان (أبريل) البالغ نحو 32.76 مليون برميل في اليوم. في حين تتوقع إدارة معلومات الطاقة أن الطلب على نفط "أوبك" أقل بكثير عند 31.44 مليون برميل في اليوم.
وخلص التقرير إلى أن أسواق النفط "باقية على المسار" نحو التوازن، حيث إن مخزونات النفط العالمية ستزداد فقط بنحو 200 ألف برميل في اليوم خلال النصف الثاني من العام، بعد أن ترتفع بنحو 1.3 مليون برميل في اليوم في النصف الأول. على الرغم من أن ارتفاع الأسعار سيكون "محدودا بسبب وفرة مخزونات النفط الخام والمنتجات"، "إلا أن فائض المعروض العالمي من النفط سيتقلص بشكل كبير في وقت لاحق هذا العام". آراء وكالة الطاقة الدولية هذه مهمة، حيث إنها تحظى بتغطية واسعة، وبالتالي تستحق كثيرا من الدراسة والتحليل. الحقيقة هي أن آراء الوكالة وتصريحاتها مرت بمراحل انتقالية أكثر بكثير من أرقامها، وهي مثل أي جهة أخرى تبلور آراءها بما يتماشى مع زخم السوق.
منذ تقريرها الأول لعام 2016، رفعت الوكالة توقعات الطلب على نفط "أوبك" بنسبة متواضعة بلغت 500 ألف برميل في اليوم في سوق تعاني تخمة في الإمدادات تفوق 1.5 مليون برميل في اليوم. لكن التغيير في آرائها كان أكثر دراماتيكية. في كانون الثاني (يناير) طرحت الوكالة السؤال التالي: مع أسعار برنت عند 28.5 دولارا للبرميل، هل يمكن لأسعار النفط أن تنخفض أكثر؟ وخلصت إلى أن الجواب "من دون شك نعم". وحذر التقرير من أنه "في ظل سيناريو تضيف فيه إيران 600 ألف برميل في اليوم إلى الأسواق بحلول منتصف العام ويحافظ الأعضاء الآخرون على إنتاجهم الحالي، من الممكن أن يتجاوز العرض العالمي الطلب بمقدار 1.5 مليون برميل في اليوم في النصف الأول من عام 2016"، وحذر من أنه "ما لم يتغير شيء، من الممكن أن تغرق أسواق النفط بالإمدادات".
عند إصدار تقريرها لشباط (فبراير)، كان برنت قد ارتفع إلى 33 دولارا للبرميل، وطرحت الوكالة السؤال عما إذا كانت الأسواق تشهد "انتعاشا زائفا". وكانت توقعاتها في حينها أن الربع الأول سيشهد ارتفاعا في المخزون بمعدل مليوني برميل في اليوم، يليه 1.75 مليون برميل في اليوم في الربع الثاني، وخلصت إلى أنه إذا كانت هذه الأرقام دقيقة، "فإنه من الصعب جدا أن نرى كيف يمكن لأسعار النفط أن ترتفع بشكل ملحوظ على المدى القصير" وبالتالي "المخاطر الهبوطية على المدى القصير قد زادت". في النصف الثاني من العام كانت بالفعل توقعت تراجعا كبيرا في بناء المخزون إلى فقط 300 ألف برميل في اليوم.
وعندما وصلت الأسعار في آذار (مارس) إلى 40 دولارا للبرميل، طرحت الوكالة السؤال؛ عما إذا كان هناك "ضوء في نهاية النفق"، وخلصت إلى أن هناك "مؤشرات على أن الأسعار قد وصلت إلى القاع"، ولاحظت "أن قوى السوق قد عملت فعلها، حيث الإنتاج من خارج "أوبك" ينخفض بسرعة أكبر مما كان متوقعا. لكنها لاحظت أن "مخاطر نمو الطلب العالمي على النفط تكاد تكون بالتأكيد هبوطية" من الـ 1.2 مليون برميل في اليوم التي كانت تتوقعها. وأضافت الوكالة، صورة إجمالي ميزان العرض/ الطلب لم تتغير في جوهرها عن شباط (فبراير)، حيث إن متوسط فائض النصف الأول 1.7 مليون برميل في اليوم ينخفض إلى 200 ألف برميل في اليوم في النصف الثاني.
من مراجعة تقارير الوكالة على مدى الأشهر القليلة الماضية يتضح أن آراءها بخصوص حالة السوق كانت تتأرجح مدا وجزرا، لكن هذا انعكس فقط جزئيا على أرقامها. ولكن الشيء المؤكد هو أننا شهدنا منذ بداية العام أربعة تطورات كبيرة: خيار خفض الإنتاج بالنسبة لـ "أوبك" لم يعد مطروحا على الطاولة؛ إيران ليست بعيدة عن تحقيق أهداف إنتاجها؛ انقطاعات الإنتاج غير المتوقعة كبيرة؛ وهناك مؤشرات جديدة على أن السعودية قد ترفع إنتاجها. في ظل هذه التطورات من المتوقع أن تغير أي جهة آراءها ومن دون شك سيكون هناك الكثير من التغييرات المقبلة، مع بقاء العرض المحرك الرئيس.