رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المملكة .. بين خطة 2010 ورؤية 2030

لو رجعنا بالذاكرة إلى عام 2006 نلاحظ أن المملكة في ذلك العام أعلنت مشروع خطة المملكة 2010، وكانت خطة اقتصادية هدفها الاستغناء عن البترول وتنويع مصادر الدخل، ومضمون الخطة هو استقطاب الاستثمارات الأجنبية والمحلية لبناء صروح المدن الصناعية الكبرى؛ لتكون مصدرا من أهم مصادر الدخل الوطني؛ حتى لا تعتمد الأجيال القادمة على مصدر وحيد للدخل.
وكان الهدف الرئيس هو بناء المدن الصناعية الكبرى، والمشاركة بفعالية أكبر في مشاريع العولمة والأسواق العالمية المفتوحة، وكان بطل تلك المرحلة الهيئة العليا للاستثمار ورئيسها المجتهد المهندس عمرو الدباغ.
بمعنى أن فكرة خطة 2010 كانت تقوم على أساس بناء المدن الصناعية الكبرى، من خلال تشجيع الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وضخ مخرجات المدن الصناعية في شرايين الاقتصاد الوطني؛ لتنويع مصادر الدخل ولحماية الاقتصاد من هزات البترول.
وفي ذلك الوقت تقرر أن تقوم المدينة الصناعية في حائل بالتخصص في تنشيط السياحة لآثار حائل، وإقامة مدينة ترفيهية عالمية، ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
أما مدينة جازان فصممت لتجتذب المزيد من الاستثمارات لبناء المدينة الذكية الرقمية، التي تستخدم وسائل التقنية الحديثة في كل أوجه الحياة العصرية.
كذلك كانت هناك المدينة الاقتصادية في المدينة المنورة، وكان الهدف جعلها أكبر مركز معلوماتي في منطقة الشرق الأوسط، وتركز في اهتمامها على السياحة والرحلات العميقة في عبق التاريخ الإسلامي؛ لإعادة أجواء العلاج الروحي من خلال آثار المدينة المحمدية المنورة.
وأهم وأكبر المدن الصناعية كانت مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بثول، وترتبط المدينة بمركز عالمي وعلمي يتعامل مع أحدث ما توصل إليه اقتصاد المعرفة في مجالات تكنولوجيا المعلومات، كما ترتبط المدينة بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وهي جامعة عالمية تفتح أبوابها لكل عباقرة الدنيا من الشباب والشابات الموهوبين والموهوبات.
وبسبب الحملات الإعلامية المادحة التي رافقت مشاريع خطة 2010، فقد بدأ تقديس النفط عند معظم السعوديين يتراجع، وحل محله تقديس الاستثمار لبناء المدن الصناعية.
ويومذاك سوقت هيئة الاستثمار برامجها لوصول السعودية عام 2010 إلى المركز العاشر عالميا بين أكثر الدول جذبا للاستثمار لتقليل الاعتماد على النفط، وحماية البلاد من مخاطر تدهور وتذبذب أسعار البترول، ولأن المشروع كبير فقد استعانت الهيئة ببيوت خبرة عالمية، وأيضا حاولت الاستفادة من تجربتي ماليزيا ودبي.
ولكن بعد البدء في مباشرة تنفيذ مشاريع الخطة المتمثلة في بناء المدن الصناعية الضخمة فوجئنا بأن السوق العالمية للبترول بدأت تتعافى وتنتعش، وأن الطلب على البترول شهد زيادة ملحوظة مع زيادة مطردة في الأسعار.
وبحكم أن المملكة رمانة الميزان في سوق البترول العالمية فقد بادرت وزادت إنتاج النفط حتى تحافظ على التوازن في السوق العالمية، وفعلا قامت المملكة بواجبها تجاه الاقتصاد العالمي، ورفعت معدلات إنتاجها من البترول، وحاولت قدر استطاعتها تحقيق أسعار متوازنة للبترول، ولكن الإيرادات من البترول بدأت تحقق زيادات ملحوظة، وتملأ خزانة الدولة، وتبني احتياطيات هائلة جديدة.
وهكذا عادت إيرادات البترول تحتل الصدارة في الميزانية العامة للدولة.
وبسبب انتعاش سوق البترول العالمية بدأت مشاريع خطة 2010 تتراجع، وبدأ الاقتصاد الوطني يعود مرة أخرى نحو البترول كمصدر رئيس للدخل الوطني.
ولعل من المفيد ونحن نبدأ في تنفيذ رؤية 2030، أن نستفيد من أخطاء كل الخطط السابقة ونتساءل: ماذا لو أن زيادة الطلب على البترول في العام المقبل أو الذي يليه بدأت تتزايد، وبدأت الأسعار ترتفع، وبدأت الإيرادات من البترول تتضاعف، وبدأ الاحتياج إلى موارد أخرى يتراجع؟ هل نعود مرة أخرى إلى البترول كمورد رئيس وحيد أم نستمر في تنفيذ برامج رؤية المملكة 2030؟!
دعونا نقر حقيقة أن هناك فرقا كبيرا بين خطة 2010 ورؤية 2030؛ حيث إن رؤية 2030 ليست مشروعا استثماريا اقتصاديا فحسب، بل هي مشروع شامل لحياة جديدة سيحياها الإنسان السعودي، تتمثل في تغيرات تطول حياته الاقتصادية والسياسية والثقافية والرياضية، وتسعى الرؤية إلى زيادة رقعة الطبقة الوسطى التي ستكون حجر الزاوية في عمليات ترميم وبناء المجتمع الجديد، وما يبعث على الأمل في رؤية 2030 أنها تأسست على الموضوعية والشفافية الواضحة، كما أنها تقوم على مبادئ الحوكمة والنزاهة، وتقوم على جودة التعليم والمعلومات، وعلى منهجية علمية وعملية واضحة المعالم، تبلور إنسانا وسطيا يسهم في البناء ولا يعرقل التطورات، ولذلك فإن أسباب نجاحها تلوح في الأفق بشكل واضح وجلي، كذالك فإن الدراسات الموضوعية لسوق البترول تؤكد أن البترول في المستقبل القريب والبعيد لن يعود إلى ما كان عليه في الماضي، بل إن البترول سيفقد مكانته، وسيحل محله الكثير من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، ولذلك فإن رؤية 2030 تعمل على أن تكون متماشية مع السياق العالمي عام 2030، أي لن تكون نشازا يلفظه المنطق السائد في العالم المتقدم.
لذلك نهيب بكل مواطن سعودي أن يشمر عن ساعديه ليسهم "كل من موقعه" في تنفيذ ونجاح هذه الرؤية التي ستكون خيرا كثيرا لأبنائه وأحفاده ولكل الأجيال المقبلة.
وبهذه المناسبة فلقد أحسنت الحكومة صنعا حينما أعادت تأسيس هيئة جديدة للرقابة والمتابعة؛ لأن مفهوم الرقابة لم يعد مفهوما ينغمس في نفسه ويقتل طموحه، بل أصبح مفهوما يُفَعلُ كل البرامج ويساعدها على تجاوز العقبات؛ لأن القائمين على المشروع يدركون أنه بدون تجاوز العقبات لن نشهد تنفيذ المشاريع والبرامج، وإذا لم تنفذ المشاريع والبرامج.. يعني أن البرامج وأصحابها "فاشلون".. وإذا ثبت الفشل فإن رؤية 2030 تلفظ الفاشلين!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي