رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إعادة الهيكلة: مرحلة الحوكمة الاقتصادية

من اللافت للانتباه أن يبدأ الديوان الملكي إعلانه الأوامر الملكية لخادم الحرمين الشريفين، بالتأكيد على أن المسار الذي تسير فيه المملكة اليوم يخضع لإطار استراتيجي متكامل ووفق خطط مدروسة بدأت منذ اللحظات الأولى لتولي الملك سلمان مقاليد الحكم. فقد تم حينها إلغاء عدد من المجالس العليا وإيجاد مجلسين فقط أحدهما للشؤون السياسية والأمنية والآخر للشؤون الاقتصادية والتنمية، ثم تم تطوير وإطلاق رؤية المملكة العربية السعودية 2030. لقد كانت هذه الرؤية تشير بكل وضوح إلى أن الهيكل القائم لعدد من الوزارات يحتاج إلى تعديل، وأن تطوير الوزارات في الحكومة السعودية وإلغاء بعضها ودمج بعضها الآخر أصبحت ضرورة للوصول إلى حوكمة اقتصادية قادرة على تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030. واليوم يأتي التعديل في الهيكل الوزاري في المملكة في وقته الطبيعي والمنطقي من أجل أن يسير الاقتصاد السعودي في المسار المرسوم له بكل سلاسة. فإصلاح الحوكمة الاقتصادية في المملكة كان ضرورة حتمية ومرحلية مهمة حتى نرفع من مستويات التنافسية في الاقتصاد. فنحن بحاجة اليوم إلى التحول من قطاع عام وحكومة تدير وتحرك الاقتصاد إلى حكومة تشرف على الاقتصاد، فحاجتنا إلى أي هيئة أو وزارة يجب أن ترتبط بحجم السوق التي تشرف عليها، والأهداف الاقتصادية والأمنية والتنموية التي نحتاج إليها. الوزارات والتشكيل الحكومي وضعا من أجل تحقيق الأهداف وليس العكس، ولهذا فإن التعديل وتعديل الهيكل الحكومي أمر صحي للغاية طالما يأتي ضمن إطار الرؤية والمسار الاستراتيجي المرسوم.
الحوكمة الاقتصادية تعني في مجملها إعادة بناء مسارات القرار وتحقيق الشفافية ورفع المسؤولية والمحاسبة لتخدم رؤية معدة مسبقا وواضحة، ولهذا نشعر ولأول مرة بأننا في مسار واضح وشفاف بدأ بالرؤية والآن نسير إلى التعديل الوزاري الذي يهدف بشكل واضح إلى إحداث نقلة موضوعية في عمل الوزارات وتعيين عدد من الوزراء، وإعفاء عدد آخر، وهي في مجملها تعديلات تصب في مسار الحوكمة الاقتصادية. لقد سارت المملكة منذ إنشائها على فكر اقتصادي يرتكز على النفط ولهذا كانت وزارة البترول والثروة المعدنية إحدى ركائز الإدارة الحكومية في المملكة لعقود خلت، وكانت مصلحة الزكاة والدخل تتبع إداريا وزارة المالية، والصناعة والتجارة في وزارة واحدة، لكن لأننا نسير في طريق سينهض بكل مواردنا دفعة واحدة وتغيرت أهدافنا تبعا لذلك، فكان لزاما أن يتم تحرير كثير من الأعمال وإعادة هيكلتها، وهذا ما تفرضه الحوكمة الاقتصادية الرشيدة من إعادة تسمية وزارة البترول والثروة المعدنية إلى وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، وليس هذا تعديلا شكليا أو اسميا فقط، بل هو انعكاس لمعاني المرحلة المقبلة ولتحقيق أهداف وضعت مبكرا منذ تولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم، فلم يعد البترول هَما قائما بذاته وعليه يرتكز مستقبلنا وقراراتنا وسياستنا في الداخل والخارج، بل هناك صناعة وطاقة وتعدين، تشكل جميعا كوحدة واحدة مستقبل الموارد المحركة للاقتصاد في المملكة، بمثل هذا المعنى نفهم قرار إلغاء وزارة المياه والكهرباء طالما توجد هيئات مستقلة لتنظيم هذا الموضوع، كذلك تعديل وزارة الزراعة لتصبح وزارة البيئة والمياه والزراعة، ومرة أخرى يتضح لنا معنى الحوكمة الاقتصادية، فنحن لسنا بحاجة إلى وزارات يمكن تقوم بأعمالها هيئات مستقلة كما أن إنشاء الوزارات الجديدة أو تعديلاتها جاء ليعكس حالة الاقتصاد ومساراته وليس من أجل اقتصاد تفرضه هيكلة الوزارات الإدارية علينا. فالتعديل الوزاري الذي يأتي – كما أشرنا - بعد بناء رؤية شاملة وواضحة وطويلة الأجل هو تعديل عميق وليس مجرد تعديلات في المسميات.
عندما تنتقل مصلحة الزكاة والدخل لتصبح هيئة مستقلة، فإن الاهتمام بالمالية العامة ومصادرها والشفافية في ذلك والمساءلة أيضا ستتغير حتما في المرحلة المقبلة، ومن المتوقع أن نشهد مزيدا من القرارات بهذه الشأن. وبالمعنى نفسه نقرأ قرار إنشاء وزارة للترفيه، هو نقلة موضوعية بكل المعاني، وهو انعكاس حقيقي لمعنى الحوكمة الاقتصادية فإذا كانت رؤية المملكة تنص على مجتمع حيوي وتدعم الثقافة والترفيه وتعمل على قراءة الفرص الثقافية والترفيهية وجهود المناطق والمحافظات والقطاعين غير الربحي والخاص من أجل تحقيق عمق اقتصادي شامل يعكس كل هذه المفاهيم، فإن إنشاء وزارة خاصة بهذا يجعل الرؤية قابلة للتحقيق ويدعم الجهود الرقابية والإشرافية والشفافية في هذا الجانب. هناك رؤية وهناك وزارة مسؤولة عن تحقيق هذه الرؤية وهناك مساءلة وشفافية هذه البنية السليمة لحوكمة اقتصادية تقودنا إلى تحقيق ما قد نعتبره اليوم تحديا كبيرا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي