شكوك في تقييمات وكالات التصنيف الائتماني وتراجع في مصداقيتها

شكوك في تقييمات وكالات التصنيف الائتماني وتراجع في مصداقيتها

تشاركت الأخطاء التي ارتكبها عدد من المؤسسات المالية سواء كانت بنوكا أو شركات إقراض أو ائتمان في صنع الأزمة التي تعصف بأسواق المال العالمية، وستنال كل تلك الأطراف عواقب إخفاقاتها التي توقعتها في مرحلة معينة نجاحات جيدة، سواء على صعيد الأرباح أو السمعة التجارية، إلا أن الضرر "الأليم"، وغير المتوقع هو ما طال وكالات التصنيف الائتماني، "موديز" و"فيتش" و"ستاندار آند بورز"، من انتقادات خلال الأيام الماضية، خصوصا من أولئك المستثمرين المحترفين الذين يعتمدون على مثل تلك التقييمات لبناء استثماراتهم.
ويعتب الكثير من المراقبين الاقتصاديين على تلك الوكالات إعطاءها السندات التي تعاني متاعب تقييمات عالية بالدرجة الأولى، وتباطئها الزائد عن الحد في تخفيض التصنيف الائتماني للسندات المذكورة، في مراحل لاحقة، وهو ما يرى الكثير أنه سيهز من مستوى المصداقية التي كانت تتمتع بها تك الوكالات.
وكانت البداية من المفوضية الأوروبية التي طالبت بمعرفة السبب الذي جعل وكالات التقييم تعطي تقييمات عالية للسندات المدعومة بالقروض السكنية لضعيفي الملاءة، والسبب الذي لم يجعل الوكالات تخفض من تقييماتها في وقت أبكر من ذي قبل، وأصوات امتعاض خرجت من الكونجرس الأمريكي، كما نقلت الـ "فايننشال تايمز" أمس الأول، وكما ذكرت المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي في هذا الإطار.
وهنا توقع لـ"الاقتصادية"، مصرفي سعودي ـ فضل عدم ذكر اسمه ـ، أن ترتفع حدة الانتقادات خلال الأيام المقبلة مع تكشف نوع وأحجام الخسائر التي نتجت عن المشكلة، مشيرا إلى أنه لا يستبعد أن نشهد رفع قضايا تعويض ضخمة على تلك الوكالات، على اعتبار أن البعض يراها سببا رئيسا في صنع الأزمة.
وأضاف" يحقق الادعاء العام في ولاية أوهايو مع شركات التقييم، ووكالات التقييم الائتماني وأعتقد أنه يعتزم استخدام عدد من الأساليب القانونية للإمساك بالمسيئين المسؤولين عن تكون المشكلة".
وقال" تعتمد الكثير من الشركات الاستثمارية والمستثمرون صغارا وكبارا على تلك التقييمات في تحديد توجهاتهم على اعتبار أنها تقيم النشاط بناء على القدرة المالية للجهة المصدرة للسند واحتمال تسديدها لقيمة السند، حتى في الأوقات المالية العصيبة".
ويعتقد من جهته الدكتور إحسان أبو حليقة، اقتصادي سعودي، أن هناك دورا نسبيا لوكالات التقييم، إلا أن القول بأنها السبب الرئيس في صنع المشكلة فيه نوع من المبالغة، مضيفا: يبقى الدور في النهاية للمؤسسات المالية، والتي لم تلتزم بالمعايير المهنية المتبعة في عمليات الإقراض، ومنها فحص الملاءة المالية للمقترضين، وتلك أدوار ليست من مهام وكالات التصنيف.
وقال أبو حليقة إن دور وكالات التصنيف الائتماني في العالم يتطور، وأصبح إحدى أهم علامات الاقتصاد الحديث، وزاد" نحن في السعودية ومع نمو الاقتصاد ودور القطاع الخاص فيه، باتت الشركات والمؤسسات المالية بحاجة أكثر لمثل تلك التصنيفات التي تعد عاملا مساعدا للراغبين في الاستفادة من سوق السندات المالية العالمية".
وأضاف أبو حليقة "يبدو أن وكالات التقييم كانت مبالغة في تفاؤلها حول السندات القائمة على قروض ضعيفي الملاءة، لكن لا بد أن تمر جهة أو أخرى من الجهات المصدرة للسندات بحالة من العجز عن التسديد، وهذا أمر لا يمكن إلقاء اللوم فيه على الوكالات".
وتابع: هناك مشكلة واحدة وهي أن الوكالات تقدم التقييمات للمستثمرين، لكنها تتلقى أتعابها من البنوك والشركات التي ترعى وتصدر السندات، لذلك قد يكون هناك نوع من التراخي في تطبيق معايير منح تلك التصنيفات وهو ما قد يضر بهذه الصناعة، "صناعة التقييم".
ويتفق مصرفي خليجي مع ما ذهب إليه الدكتور أبو حليقة إذ يشير إلى أن المشكلة ترجع في الأساس للبنوك، ويقول "إذا كانت البنوك قد مررت معلومات غير دقيقة وغير كافية إلى تلك الوكالات، لا يعني أن تصنيفاتها كانت مضللة، بل كانت بناء على تلك المعلومات المضللة".
إلا أن كتابا اقتصاديين في "الفايننشيال تايمز" قالوا في أيار(مايو) الماضي، وقبل نحو ثلاثة أشهر من وقوع الأزمة أن هناك انتقادات واسعة للمهنية التي تعمل من خلالها وكالات التصنيف، منتقدين احتكار ثلاث وكالات تصنيف ائتماني عملية الحكم على سلامة المركز المالي للحكومات، والشركات متعددة الجنسيات، والأهم من ذلك الحكم على سلامة المركز المالي للشركات التي تلجأ إلى الاقتراض في أسواق المال الدولية لتمويل أنشطتها.
وأضافوا "يمكن للتصنيفات وحدها أن توجد إقبالاً على أنواع محددة من السندات أو تنفر منها، ويمكن أن يؤدي انخفاض التصنيف إلى حدوث انكماش اقتصادي في بعض البلدان أو إلى إفلاس بعض الشركات".
وكان السؤال العريض حينها، هل وكالات التصنيف الكبرى الثلاث- "ستاندارد آند بورز"، "موديز انفستورز سيرفيس" و"فيتش ريتنج"- في مستوى العمل الذي تقوم به، خاصة في السوق الخاصة "بالتمويل المهيكل"، وهي سوق ضخمة وتنمو بسرعة وتتسم بالتعقيد؟
وقال فرانك بارتوني، الأستاذ في كلية الحقوق في جامعة سان دييغو والمصرفي السابق في "وول ستريت": "أصبحت وكالات التصنيف الائتماني أكثر نضجاً بعض الشيء ولكنها متخلفة كثيراً عن البنوك الاستثمارية". لكن، مع إيجاد صفقات التمويل المهيكل في هذه الأيام باستخدام أدوات المشتقات إلى جانب السندات والقروض، فإن بعض المستثمرين الذين لا يستطيعون مسايرة التعقيد أخذوا يعتمدون على آراء وكالات التصنيف أكثر من ذي قبل بكثير.
ويقول سابور مويني، مدير استراتيجية الائتمان في "بايدين آند ريجيل" التي تعمل في إدارة المحافظ: "أصبحت شركات التأمين تعتمد على التصنيفات أكثر فأكثر، كما هي حال الناس من أمثالنا، أما المشترون غير التقليديين كصناديق التحوط، فهم أقل اعتماداً على التصنيفات".
وفي الآونة الأخيرة، اهتزت ثقة الناس بصحة ما تقوم به وكالات التصنيف وذلك بسبب عدد من الأخطاء التي ارتكبتها والخلافات فيما بينها، وكانت النهاية مع ظهور أزمة سوق الرهن العقاري في أمريكا أخيرا.

الأكثر قراءة