التحول الوطني .. مسلَّمات النجاح
من المسلمات أن المجتمعات مثلها مثل الأفراد تصيبها العلل والأمراض، ولذا لابد من تشخيص دقيق للعلل وأسبابها وخطورتها على النسيج الاجتماعي، والمصلحة العامة. استمرار العلل دون علاج يعطيها الفرصة للانتشار والتوسع لتشمل قطاعات اجتماعية أوسع، وفي هذه الحالة تكون الآثار السلبية. أعلن الأمير محمد بن سلمان عن رؤية التحول الوطني التي تمتد حتى عام 2030، وتستهدف في المقام الأول إعادة بناء الاقتصاد الوطني لينتقل من الاعتماد على النفط إلى تنوع مصادر الدخل، بما يعنيه ذلك من إيجاد مصادر بديلة تخدم الوطن، والمجتمع لمرحلة ما بعد النفط، وكما يقال دائما المشاريع الكبيرة تبدأ بأحلام صغيرة، وتتحقق متى ما توافرت الشروط اللازمة للنجاح. كما يعلم الجميع أن برنامج التحول الوطني اضطلعت بجزء كبير منه شركة ماكنزي الأمريكية مع مختصين آخرين من الخارج، والداخل.
المجتمع السعودي مثله مثل غيره من المجتمعات، ولا يمكن استثناؤه، مجتمع متغير يتأثر، ويؤثر، وعلى مقدار صلابته، وامتلاكه عوامل القوة تكون نسبة التأثير، والتأثر، ولا أدل على ذلك إلا ما حدث من تحولات كبيرة في نمط حياته من مسكن، ومركب، وطريقة تفكير تزامنت مع الطفرة الاقتصادية الأولى التي جاءت مع بداية عهد الملك خالد. هذا التحول بإيجابياته، وسلبياته يمثل واقعا لا يمكن إغفاله في أي عملية تخطيط لأي مشروع مهما كان حجمه، فكيف إذا كان بحجم رؤية التحول الوطني التي لا شك سيكون لها أثر يمس جوانب عدة في الوطن، والمجتمع على حد سواء.
أي مشروع لا بد أن تؤخذ في الاعتبار التحديات التي تواجهه، سواء كانت مادية، أو بشرية اجتماعية، أو تنظيمية، أو سياسية، خاصة من أطراف خارجية. ومشروع التحول الوطني، وبهذه الضخامة ما من شك أنه عرضة لتحديات جمة، منها الثقافي، والتنظيمي، وطريقة التفكير، ومنها صراع المصالح الذي يجب ألا يغيب عن البال. في أي مجتمع توجد تكتلات يجمع بين أعضائها رابط معين، إما رابط فكري، أو رابط منفعة، كما توجد معوقات تنظيمية تفقد القائمين على المشروع القدرة على الحركة بالمرونة اللازمة.
مشروع التحول الوطني لا يمكن استبعاد تأثره بأي من العوامل المشار إليها، فالاختلاف في طريقة التفكير، خاصة فيما بين الأجيال قد يكون سببا للمقاومة، والرفض بسبب القناعات المتنوعة، والمتعارضة، فكل فريق يرى أن رؤيته هي الأصوب، وهي التي يجب أن تسود، وما النقاش الإعلامي، والمجتمعي الذي يتم في المجالس إلا مؤشر واضح على ذلك.
المصالح المتباينة بين الأفراد تمثل عامل إضعاف لأي مشروع، ففي أي مجتمع يوجد أفراد مستفيدون من الوضع الراهن، ولذا يعتقدون أن أي تغيير يهدد مصالحهم، ما يؤدي بهم إلى مقاومة التغيير، وتشويه المشروع، في محاولة لإجهاضه، ولو قدر وفشلوا في مبتغاهم سيلجأون إلى الدخول في المشروع لإجهاضه من الداخل.
التنظيمات، واللوائح تشكل إما رافدا جيدا، ومعينا على نجاح المشروع، أو معيقا له، فجمود الأنظمة، وعدم مسايرتها روح العصر تمثل حجر عثرة في طريقه. المشاريع الضخمة كمشروع التحول الوطني، الذي يمتد لـ 14 عاما، لا يمكن إغفال التحولات والتغيرات الإقليمية والعالمية سواء في جانبها السياسي، أو الاقتصادي، وتأثيرها فيه، فالتحول من الاعتماد على النفط إلى الاستثمار يتطلب طريقة تفكير جديدة تستهدف تهيئة المجتمع ليس لقبول المشروع فقط والوقوف متفرجين، بل الانخراط، والتفاعل معه بحماس لإنجاحه، كما لا يمكن إغفال الفساد الإداري، والمالي والمحسوبية التي أسهمت، ولا تزال في إفشال كثير من خطط التنمية، وأضاعت على الوطن كثيرا من الثروات، فهل بالمقدور الحد من فيروس الفساد حتى تتهيأ فرص النجاح أمام المشروع الطموح ، هذا ما ستكشفه الأيام. التحول الوطني يبدأ بتحول العقول، وطريقة التفكير أولا، لتكون منسجمة مع الأهداف، ومن ثم يتحقق السلوك الذي يحقق الأهداف.