التحول الوطني
يسود الاعتقاد عند كثيرين، أن مشروع التحول الوطني هو عملية تهدف إلى مجرد تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس لإيرادات الدولة. ومع وجاهة الفكرة وأهميتها، وعدم تنفيذ أجزاء كبيرة منها خلال العقود الماضية، إلا أن تبسيط عملية التحول الوطني بهذا الشكل يُفقِد المشروع كثيرا من مزاياه، ويُبعِده عن الأهداف الحقيقية التي يجب أن نتعاون جميعاً في الوصول إليها.
التحول الوطني هو عملية اقتصادية، تهدف إلى تأكيد السيادة للدولة بتفاعل مختلف مكونات الاقتصاد الوطني مع عناصر القوة الوطنية الأخرى التي تتمتع بها المملكة. الحديث هنا سيطول جزئيات التعليم والتدريب والصحة والإسكان والاستثمار وتوطين التقنية في مجالات كثيرة.
سيشهد الاقتصاد نقلة نوعية من خلال توفير أعداد كبيرة من الوظائف للمواطنين، وتأكيد المهارة لدى الموظف الصناعي في مجالات التقنية المختلفة، والتعامل مع البطالة التي تعيشها قطاعات معينة ذات أهمية استراتيجية مثل المهن التقنية والعلمية والبحثية بشكل عام.
سيتفاعل الاقتصاد لتكوين قاعدة بشرية ذات عمق وإحاطة وتمكن وخبرات تدعمها المعلومات، لتسيطر على الصناعة في البلاد وتدفع بها للأمام، يضاف إلى هذا تنويع مصادر الطاقة، والعمل على توليد مصادر دخل أخرى خارج الإطار المعتاد، وهنا تأتي أهمية الانطلاق نحو الصناعات التحويلية والذكية التي سيدعمها برنامج التحول كوسائل لتحقيق التفوق.
إذن فالتحول الوطني هو تحول بشري بامتياز، فمستقبل الأمة على المحك، ولن يقوم الوطن إلا بسواعد أبنائه. هنا تتضح أهمية التركيز على إدارة الموارد البشرية وإعادة تقويم سوق العمل لنتمكن من تحقيق استقلالية اقتصادية حقيقية مبنية على ما يعرفه أبناؤنا وبناتنا.
إن الدروس الكثيرة التي يمكن أن نستخلصها من تجارب دول مثل اليابان وسنغافورة وماليزيا وأغلب دول أوروبا، تتمركز على النهوض بالإنسان ودعم قدرته وفاعليته في تحقيق الاستقلالية الاقتصادية المبنية على استغلال قدراته ومهاراته وسلوكياته إلى أقصى حد ممكن.
عند الحديث عن الإنسان وقدراته، يمكن القول إن النجاح الذي يحقق من خلال هذا الباب هو الأكثر قابلية للنمو والاستمرار والبقاء، ذلك أن الإنسان هو من يبحث ويبتكر ويعمل ويحقق العجائب إن عرفنا كيف نتعامل معه. يتبع تطور المكون البشري التفوق في مجالات أخرى مرتبطة وغير متعلقة به بالضرورة.
إذن فالتحول الوطني هو تحول إنساني في الدرجة الأولى.