«رؤية 2030» .. وقوة الأنظمة والتنظيم
أثارت إجابة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن سؤال تركي الدخيل عما إذا كان تطبيق الاستراتيجية سيزيد الإنفاق الحكومي أم سيقلصه، قضية مهمة كتبت عنها غير مرة وهي ضعف كفاءة توظيف الإمكانات والموارد في تحقيق الأهداف التنموية والتسبب في هدر كبير وتبديد للثروات المالية والبشرية دون التوظيف الأمثل لقوة الأنظمة والتنظيم التي تعتبر أحد أهم الموارد "المدخلات" التي يمكن توظيفها لتحقيق الأهداف بأقل الموازنات وأقصر الأوقات.
كفاءة توظيف الموارد بالتوظيف الأمثل لقوة الأنظمة والتنظيمات اتضحت في إجابة الأمير محمد ــــ حفظه الله ـــ حيث قال إن تحقيق «رؤية 2030» لا يتطلب إنفاقا حكوميا عاليا والمطلوب فقط تنظيم وإعادة هيكلة عديد من القطاعات، وإعادة هيكلة كيفية إعداد الميزانية داخل وزارة المالية، وهو أمر أفرحني وزاد من درجة تفاؤلي في تحقيق الرؤية بالتوظيف الأمثل للموارد.
ولقد تجلى مفهوم توظيف الأنظمة والتنظيمات هذا في حديث الأمير محمد بخصوص برامج تحقيق الرؤية، حيث نلاحظ عبارة "إعادة هيكلة" تتردد حيث قال إن عدة برامج ستطلق لتحقيق الرؤية منها برنامج إعادة هيكلة صندوق الاستثمارات العامة، برنامج إعادة هيكلة "أرامكو"، وإعادة الهيكلة تعني إصدار أنظمة وإجراء تنظيمات جديدة ترفع من الكفاءة وتحقق الترابط والتكامل بين البرامج لتحقق مجتمعة الرؤية المستهدفة.
وبطبيعة الحال إصدار الأنظمة "القوانين" أمر يتم لمرة واحدة بعد دراسة متأنية أو لمرتين، حيث يمكن تعديل النظام عندما يثبت التطبيق ضرورة التعديل، أما التنظيمات التي تشمل الهيكلة وإعادتها واللوائح والإجراءات والسياسات فهي عملية مستمرة طوال فترة التنفيذ وتتطلب مرونة عالية في التعديل والتكيف مع المعطيات والظروف والمتغيرات وهذا يتطلب تنظيما رئيسا فاعلا وهو ما عبر عنه الأمير محمد بمكتب إدارة المشاريع PMO الذي تكون وظيفته تسجيل كل الخطط وكل الأهداف، وتحويلها إلى أرقام وإلى قياس أداء دوري، كل ربع سنة، وقياس مدى مواءمة عمل الجهات الحكومية، وخطط الحكومة، وبرامج الحكومة في تحقيق الأهداف التى يريدها ويتابع برفع تقارير كل ربع سنة إلى مجلس الوزراء بشأن المناطق التي فيها خلل لتتم مراجعتها، والتأكد أين الخلل وكيف معالجته.
ولكن هل عملية إعادة الهيكلة بإصدار الأنظمة والتنظيمات والشروع في تطبيقها عملية سهلة؟ وهل تعي القيادات والمسؤولون في الأجهزة الحكومية أن الأنظمة والتنظيمات أداة استراتيجية فاعلة في رفع الكفاءة لتحقيق الأهداف بأقل الموارد والأوقات؟ الواقع يقول إن تطبيق الأنظمة والتنظيمات المخالفة لما اعتاد عليه الموظفون أو ما يعارض مصالحهم ومكتسباتهم الشخصية أو الفئوية عملية ليست بالسهلة وتتم مقاومتها بحدة وضراوة. كذلك الواقع يقول إن القيادات لا تفضل توظيف قوة الأنظمة والتنظيمات لرفع الكفاءة وتميل لطلب الموازنات الكبرى التي تمكنهم من تحقيق الأهداف بسهولة دون عناء تفكير، كما تحقق لهم مكاسب ومغانم كثيرة.
إذن نحن أمام معضلة وهي الموارد البشرية السعودية التي يمكن أن تكون في الوقت نفسه هي الحل وهذا يعتمد على مدى تطورها فكريا أولا ومعرفيا ومهاريا ثانيا لكي تتحول من خانة الرفض والمقاومة إلى خانة الموافقة والدعم، وهذا يتطلب الدمج الفكري الوجداني للموارد البشرية السعودية في مشروع رؤية 2030 لكي يندفعوا نحو صناعة السعودية التي نريدها في المستقبل كما قال الأمير محمد في إجابته عن سؤال عما إذا كانت الخطة الاستراتيجية تنطوي على تطوير الموارد البشرية السعودية.
لنأخذ مثالا واقعيا حدث في بلادنا على توظيف الحلول الابتكارية لتحقيق الأهداف التنموية والتصدي لعوائقها من خلال توظيف قوة الأنظمة والتنظيمات لعله يشجع مواردنا على توظيف هذا المورد الرخيص والفعال، المثال هو النظام الذي صدر من أمانة منطقة الرياض قبل نحو عشر سنوات تقريبا أو أقل لتوفير المزيد من الوحدات السكنية والتخفيف من عدد المحال التجارية وهو النظام الذي قضى بإمكانية حصول أصحاب الأراضي التجارية على ترخيص لبناء دور ونصف دور إضافي إذا تخلى عن المحال التجارية وجعل المبنى كله مخصصا للشقق السكنية.
وحسب علمي فإن هذا القرار زاد من المعروض من الشقق السكنية بشكل كبير كما خفف من المحال التجارية التي لا داعي لها التي تتطلب المزيد من العمالة الوافدة التي تزاحم المواطنين على الخدمات وتزيد من معدلات التحويلات المالية للخارج، وبالتالي فإن نظام جديد حقق أهدافا كبيرة وفي فترة وجيزة دون الحاجة لإنفاق الملايين.
يقول الأمير محمد في اللقاء ذاته بشأن رؤية المملكة 2030 "طموحنا سيبتلع هذه المشاكل، سواء من بطالة أو إسكان أو غيرها من المشاكل. طموحنا كيف نكون اقتصادا أكبر من الذي نحن فيه اليوم، كيف نوجد بيئة جذابة وجيدة ورائعة في وطننا"، وأقول بات علينا كمواطنين مسؤولين في جميع الأجهزة الحكومية أن نفكر بطريقة إبداعية لتوظيف الأنظمة والتنظيمات كأداة فاعلة في تحقيق ذلك دون الحاجة للإنفاق الكبير الذي يهدر الموارد ويبددها مقابل نتائج هزيلة. وبكل تأكيد فإن الأنظمة والتنظيمات يمكن أن تلعب دورا محفزا للاستثمارات المحلية والدولية التي بدورها يمكن أن تسهم مساهمة كبيرة في تحقيق الأهداف التنموية التي تحقق في مجملها الرؤية وتجعلنا دولة فاعلة في صناعة الاقتصاد العالمي يعيش مواطنوها في مستويات عيش كريم تتناسب وقدراتنا وطاقاتنا ومرتكزاتنا القوية في تحقيق الرؤية.
ختاما، التنمية بمفهومها الواسع تحتاج لأنظمة وتنظيمات تولد بيئة محفزة ومشجعة للعاملين في القطاع الحكومي والمستثمرين في القطاع الخاص وموظفيهم وكذلك بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني لتتكامل جميعا في تحقيق الأهداف التنموية بأعلى كفاءة وأقل هدر وكلنا ثقة بأن برنامج تطوير الأنظمة والتنظيمات سيكون أحد أهم برامج تحقيق «رؤية 2030» التي يقودها الأمير الشاب محمد بن سلمان ـــ رعاه الله.