إيران ونشر «الكراهية»
قال زميل لي إنه أبدى فرحته أمام صديقه الإيراني في إحدى الدول الغربية أواخر السبعينيات وذلك بمناسبة انتصار الثورة الإيرانية وانتهاء حكم الشاه على أساس أنها ثورة إسلامية ستنصف الضعفاء وتنشر العدل والمساواة في إيران، كما أنها ستنشر المحبة في المنطقة وتوثق العلاقات مع الجيران بشكل أفضل مما كان يطرحه شاه إيران آنذاك فالإسلام دين السلام والمحبة والعدالة والمساواة والتسامح وحسن الجوار.
يقول إن صديقه الإيراني قال له ستندم وتندم المنطقة كافة، وسترى غير الذي تقول، وستمر إيران والمنطقة بظروف صعبة، وسينتشر الظلم والطغيان والفقر والتخلف داخل إيران، وستعاني المنطقة الكراهية والنزاعات والحروب التي ستستنزف موارد المنطقة البشرية والمالية وتحد إن لم توقف عجلة التنمية فيها.
ويضيف زميلي أنني ظننت أن صديقي هذا متحامل على كل ما هو إسلامي ولم آخذ كلامه على محمل الجد ولم أناقشه في أسباب ما يقول حتى لا نخسر صداقتنا، إلا أنه وللأسف الشديد حصل كل ما قاله وكأنه كان يقرأ من كتاب مفتوح أمام عينيه إذ إنه كما يبدو لي أن صديقي الإيراني كان على علم بمشروع الملالي في تصدير الثورة تحت غطاء نشر الفتنة الطائفية بدعوى تحرير كل طائفة من غير المذهب السني السائد في الدول الإسلامية من المظلومية التي تشكل جزءا مهما من معتقد وفكر ملالي إيران والتي باتت الشماعة التي تعلق إيران عليها أسباب علاقتها مع الشيعة في كل أنحاء العالم وتدخلها في شؤونهم وشؤون الدول التي ينتمون إليها حتى باتت بعض التدخلات الإيرانية في بعض الدول العربية من خلال أذرعتها الميليشياوية التي أنشأتها بدعوى حماية الأضرحة والقبور التي يقدسونها.
ويتابع لقد حصل ما توقعه صديقي الإيراني بصورة أشد مما أتصور فلقد نشرت إيران "الكراهية" في المنطقة بين أبناء الأمة الإسلامية وبين أبناء الدولة الواحدة وبين أبناء القبيلة الواحدة وبين أبناء الأسرة الواحدة أحيانا إذ يعتقد بعض أبناء الأسرة الواحدة في بعض الدول الخليجية المذهب السني وآخرون يعتقدون المذهب الشيعي ما أدى إلى الفرقة والتدابر والتناحر وانحسار سبل التعايش الاجتماعي السلمي لتنفذ إيران من خلال هذه البيئة الموبوءة بالكراهية والحقد والتحزب والاصطفاف والاستقطاب الطائفي لتحقيق غاياتها في الهيمنة على المنطقة من خلال استنفاد واستنزاف طاقاتها وأموالها وتفكيكها لأحزاب عقائدية متناحرة.
وأقول إيران لم تنشر الكراهية كهدف نهائي بل نشرتها كهدف مرحلي وحشدت لذلك الجهود والطاقات والأموال، غير عابئة بمعيشة شعوبها متعددة الأعراق والانتماءات العقائدية التي أذاقتها هي الأخرى من غير العرق الفارسي المؤمن بالاثني عشرية أسباب الفرقة والدونية وسوء المعيشة، حيث إنه حسب التقديرات الحكومية الإيرانية فإن نسبة الإيرانيين الذين يقبعون تحت خط الفقر المدقع تصل إلى 40 في المائة في حين يقدر المختصون الإيرانيون ومنهم الدكتور راغفر أستاذ جامعة طهران هذه النسبة بأكثر من نسبة 60 في المائة، والذي ذكر أن نسبة 25 في المائة من الإيرانيين يسكنون في بيوت من الصفيح.
كيف تنشر إيران الكراهية؟ وإلى ماذا تستند في نشر الكراهية؟ وكيف لنا أن نفشل خطتها في نشر الكراهية ولا نكون عونا لها في ذلك؟ أسئلة مهمة وحيوية ومفصلية وحاسمة في مستقبل بلادنا والمنطقة. أما كيف تنشر إيران الكراهية، فالأمر واضح كالشمس في رائعة النهار فهي تنشر ذلك من خلال جميع الوسائل الإعلامية التقليدية والرقمية الحديثة، كما تنشرها من خلال التدخل في شؤون الدول بالتواصل المباشر مع مواطنيها من الطائفة الشيعية وتغذيتهم بالكراهية لدولهم ومواطنيهم وتدريبهم لتشكيل منظومات فكرية وأخرى سياسية وثالثة مسلحة ودعمهم بالمال والعتاد والمواقف السياسية، بالتزامن مع استقطاب المتشددين من الطائفة السنية من خلال قوالب سياسية وعسكرية تحقق لهم ما يستهدفون دون علمهم أن ما يفعلوه يدور في فلك المخطط الإيراني لغرس وترسيخ الكراهية وتأجيج الفتنة والطائفية.
ما زالت إيران من خلال الكثير من الوسائل الإعلامية تنتج الأفلام التي توضح شدة المتطرفين السنة في قتل الشيعة وشدة المتطرفين الشيعة في قتل السنة وتقوم بنشرها لتأجيج الحقد والكراهية وحث الطائفتين على المزيد من الاحتراب والتدابر والاصطفاف حتى بات الكثير ممن هم على يقين بالمخطط الإيراني يصطفون مع طوائفهم في إطار هذا المخطط الإيراني الكارثي على إيران والمنطقة، فمن يزرع الشكوك سيحصد الدماء في جسده كما يدمي أجساد الآخرين.
وتستند إيران في نشرها الكراهية إلى أحداث الفتنة التاريخية وإعادة هيكلة أحداثها وتزويرها وتمثيلها وتطوير عباداتها بشكل يجعل الأتباع في حالة من الكراهية الشديدة لكل من هم على غير ملتهم وعلى استعداد نفسي هائل للتضحية بالنفس والمال والولد في سبيل تنفيذ المخطط الإيراني للقضاء على التعايش السلمي واستبداله بالصراع والاقتتال والتشفي، كما تستند إلى تزوير واقع الأقليات الشيعية في بعض الدول العربية، حيث تدعي مظلوميتهم واضطهادهم ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية رغم أنها هي التي تعامل المواطنين الإيرانيين من غير الفرس الاثني عشرية معاملة سيئة وفقا للدستور والواقع معا بمن في ذلك العرب والأذريون الشيعة.
أما كيف لنا أن نواجه المخطط الإيراني في نشر الكراهية واستثمار تداعيات ذلك، فأعتقد أن ذلك يتطلب جهودا بحثية وعلمية وورش عمل ومنتديات ومؤتمرات فكرية مكثفة يشارك فيها مفكرون وفاعلون ومؤثرون من كل الدول الإسلامية وقياداتها تحت أكثر من مظلة لتفكيك المشروع الإيراني الذي نشر الكراهية وأصَّل الحزبية العقائدية كعنصر فعال في تشكيل الأطياف السياسية.
ختاما أتطلع إلى أن تطلق السعودية من خلال منظمة التعاون الإسلامي مبادرة لمواجهة المخطط الإيراني في نشر الكراهية بين المسلمين بفضح هذا المشروع وأهدافه ومظاهره وأدواته ونتائجه الكارثية على المنطقة ودولها وتوعية أبناء المنطقة، من جميع الطوائف لمواجهته والحد من آثاره.