القمة السعودية - المصرية والأمل في إنقاذ الأمة العربية
زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لمصر وتوطيد العلاقات السعودية المصرية لم تعد لمصلحة الطرفين فقط، بل أصبحت ضرورة تحتمها المرحلة الحالية، إذا أريد للمنطقة العربية أن تحتفظ بما تبقى وأن تلملم جراحها وتعيد الاستقرار التدريجي، ومن ثم النمو والازدهار الاقتصادي. لا يمكن أن تواجه المنطقة التحديات المتزايدة وتحافظ على كياناتها إلا بقيادة، ولا يوجد في المنطقة اليوم سوى السعودية ومصر لقيادة المنطقة بفاعلية. فقيادة المنطقة تتطلب التقارب السعودي المصري لا محالة. فلا يستطيع أي منهما القيام بالدور الكامل في المنطقة دون الآخر.
العلاقة التكاملية بين السعودية ومصر لها أبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية. فمن الناحية الاقتصادية، تعد العلاقة بين السعودية ومصر علاقة استراتيجية للطرفين على حد سواء، فاستقرار هذه العلاقة يؤدي إلى تدفق الاستثمارات السعودية إلى مصر من جهة، وتدفق العمالة على المستويات كافة إلى السعودية من جهة أخرى، إلى جانب التبادل التجاري لبعض المنتوجات الزراعية والصناعية، وكذلك السياحة التي تدعم الاقتصاد المصري وتوفر للسعوديين خيارا سياحيا مناسبا، لقربها الجغرافي وأسعارها المعقولة والتقارب الثقافي والديني. وتأتي مصر في مقدمة الدول العربية من حيث حجم التبادل التجاري بين الدولتين.
أما من الناحية السياسية، فعلى مدى تاريخ الأمة العربية خلال العقود الماضية، تلعب الدولتان السعودية ومصر أدوارا محورية في استقرار المنطقة والدفاع عن القضايا العربية، وتزداد مسؤولياتهما في المرحلة الراهنة مع غياب كل من سورية والعراق وليبيا عن الساحة العربية، وخطورة تصاعد الاضطرابات والتفكك في بعض الدول، ما يحمل السعودية ومصر مسؤوليات قومية تاريخية للذود عن الدول العربية وردع العدوان الخارجي الفارسي والإسرائيلي وغيرهما. فمع ضعف الأمة العربية، بدأت شهية إيران تزداد لتوسيع نفوذها في اليمن وسورية ولبنان والعراق، مع محاولات للتغلغل في تونس والسودان.
أما بخصوص الناحية الاجتماعية، فبين الشعبين المصري والسعودي روابط قرابة وعلاقات زواجية وتداخل أسري كبير، خاصة مع الأسر السعودية في منطقة الحجاز المجاورة لمصر، وتعزيز العلاقات السعودية المصرية سيتيح المجال لمزيد من التقارب الأسري وزيادة مستوى الزيارات الأسرية من الطرفين، خاصة أن حجم التواصل الاجتماعي والأسري مع مصر يفوق أي تواصل مع أي دولة عربية أخرى.
وأخيرا من الناحية الثقافية، فإن التوسع في أعداد الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في المملكة يزيد الحاجة إلى الأساتذة المصريين المميزين للتدريس في هذه الجامعات، خاصة أن الأساتذة المصريين أكثر تفهما واندامجا في المجتمع السعودي من غيرهم، كما أن الحاجة إلى التعاون العلمي في مجال الدراسات والبحوث كبيرة لمصلحة الطرفين. ويعد تأثير المملكة ومصر الثقافي والعلمي كبيرا على مستوى الدول العربية، كونهما مصدر إشعاع علمي على مستوى المنطقة، خاصة أن المملكة العربية السعودية تنتج ثلث الناتج البحثي الإجمالي للدول العربية مجتمعة، والمنشور في الدوريات العالمية، في حين تستحوذ مصر على ربع الناتج البحثي في الدول العربية، ما يعني أن الدولتين تستحوذان على أكثر من نصف الإنتاج العلمي للدول العربية والمنشور في قاعدة شبكة العلوم لعام 2015، إلى جانب حركة نشر الكتب الكثيفة في كل من البلدين، التي لا تنافسهما أي دولة عربية أخرى. كما أن جامعات: الملك عبدالعزيز والملك سعود والقاهرة تحتل المراتب الثلاث الأولى من حيث الإنتاج العلمي المنشور على مستوى الدول العربية في عام 2015.
بناء عليه، فإن تعزيز التقارب والعلاقات الوطيدة المصرية السعودية يفوت الفرصة أمام الأطماع الأجنبية في تركة الأنظمة البائدة في العراق واليمن وليبيا، ويؤدي إلى صناعة قيادة عربية فاعلة لإعادة الهيبة للدول العربية، وتعزيز الاستقرار، والعمل على إنقاذ الدول المنكوبة من الانزلاق في مزيد من الفوضى والاضطرابات والاقتتال الطائفي.. وختاما أدعو الله أن يجعل هذه الزيارة فاتحة خير على الأمة العربية.