رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


وظائف بلا دوام وأخرى بلا راتب

استقر دخله الشهري حول خمسة آلاف ريال بعد أكثر من سبع سنوات من الالتزام والاجتهاد. ورغم أنه بدأ براتب متدن أقل من ذلك بكثير إلا أنه لم يشعر سابقا بالتعاسة بقدر اليوم الذي رأى فيه إعلان المطعم المجاور لمنزله عارضا وظائف لخريجي الثانوية في الفترة المسائية بخمسة آلاف ريال. بعد سبع سنوات من التضحيات يبدأ غيره الأقل مهارة وشهادة وخبرة من النقطة نفسها التي وصل إليها هو، يسأل نفسه: هل كانت السنوات السبع مجرد خسارة وسوء حظ من العيار الثقيل يستوجبان التقبل أم خطأ استراتيجي قمت به أثناء اتخاذ القرار في تلك اللحظة المنسية؟
الوظيفة التي فرح بها يوما ما يراها اليوم وكأنها وظيفة دون راتب، كيف ستكون أيامه المقبلة إذا كان زملاؤه يشتكون كثرة المصاريف ورواتبهم تزيد على عشرة آلاف؟! مع كل ما يحدث من تغيير في تكلفة المعيشة، تظل هذه الحالة أفضل بمراحل من تلك الأخرى التي تعمل في وظيفة دون دوام، وذلك لأن الأولى تقبل ببساطة التحسن والتطور بشكل أكبر.
تتغير ديناميكية سوق العمل بسرعة كبيرة ويشمل هذا التغير خصائص العرض والطلب مثل الكفاءات والمهارات المعروضة وأماكن ونوعية ومردود الوظائف المتاحة. أفضل المستفيدين من يسبق هذه التغييرات أو على الأقل يواكبها بالوعي والحرص والتخطيط. وقبل أن نترك لمشاعرنا فرصة التفاعل معها من الواجب أن نستوعب الممكن وغير الممكن في وضع ما، وكيف يمكننا تقديم أفضل ما نقدر لنحسن الواقع الذي نحظى به.
مع أن مناقشة الموضوع من وجهة نظر السوق، ومن يؤثر في السوق من جهات مشرعة وجهات صانعة للوظائف، مثيرة للجدل إلا أنني أود النظر من زاوية الشاب الذي يشعر بقلة الخيارات. الدرس الأول والأكيد أن ازدهار الرحلة الوظيفية يعتمد بشكل كبير على منصة الانطلاق، أي الوظيفة الأولى. ليس بالضرورة أن تكون قوة الوظيفة الأولى في أول "مربوط" كما يسمى أحيانا، قد تكون قوتها في الخبرة التأسيسية المميزة أو في التأهيل المهاري المتخصص أو في بناء العلاقات وتمكين المهارات التواصلية. اسأل المهنيين الذين جربوا "التعقيب" كعمل في بداية حياتهم كيف أثر في نباهتهم وتفاعلهم مع الآخرين. لا يقلل هؤلاء من قيمة أعمالهم السابقة ولكنهم لا يركنون إليها، من يبدأ بوظيفة بلا مردود مادي أو مهاري معقول يقدر على استثماره جيدا يصبح أول المتأخرين في كل فرصة يتاح فيها القفز للآخرين.
دروس المخضرمين المختصين مهمة لكن الواقع يغير نفسه. كان مديرو الموارد البشرية يرفضون بشدة من يقفز كثيرا بين الوظائف ولا تخفى على معظمنا نصيحة مراجعي السيرة الذاتية عندما يقولون لا تظهر عدم قدرتك على الاستقرار في سيرتك، سيكون ذلك سببا للرفض. وهذا صحيح إلى حد ما إلا أن الواقع يتغير. تشير الإحصائيات الجديدة إلى أن شباب اليوم سيعملون في سبع وظائف مختلفة على مدى حياتهم المهنية، وترفعها بعض التوقعات إلى 15 أو 20 وظيفة بمعدل ثلاث سنوات تقريبا لكل وظيفة. وهذا معدل مجنون حسب وجهة نظر مديري الموارد البشرية التقليديين، غير أنه واقع، يزيد منه نمو فترة الحياة الوظيفية وتأخر سن التقاعد وتغيير طبيعة الأعمال التي نقوم بها.
يقوم كتاب The Alliance الذي يشارك في تأليفه مؤسس وشريك موقع لنكدإن الشهير ريد هوفمان على فكرة التعاقد بناء على تحالفات عملية بين الموظف وصاحب العمل. تبنى التحالفات على الثقة وتكون موضوعية ومباشرة، على صاحب العمل تنمية حياة الموظف المهنية وعلى الموظف تنمية الأعمال. يناقض مفهوم الحلفاء المهنيين هذا فكرة الوظيفة التقليدية المستقرة التي تدوم لسنوات طويلة يقوم فيها الموظف بأعمال محددة. والتعارض هنا لم ينتج عن فكرة إبداعية من منظري الموارد البشرية، وإنما استجابة لواقع يتغير كل يوم يشمل منظومات العمل الحالية وتأثيرات المسؤولية والمحاسبة الذاتية وتفعيل مؤشرات الأداء والثقافات المتجددة داخل المنظمات.
تترابط الأعمال المتاحة في سوق العمل على هيئة طبقات أو دوائر متراصة فوق بعضها، كلما حاز الشخص مزيدا من المهارات والإمكانات تمكّن من القفز من دائرة إلى أخرى، تختلف فيها طبيعة الأداء وجودة المردود. أفضل رهان على من يطور من نفسه باستمرار ليسبق التغير ولا يكون ضحية له، نحن لا نتحدث عن أمور معقدة وإنما عن مهارات اللغة والتواصل والمهارات الفنية المتخصصة، إضافة إلى البحث عن إيجاد الفرص والابتعاد عن الركون والانتظار والتحلي بشجاعة التغيير. اللحاق بالفرص بعد عشر سنوات أفضل من تفويتها طوال الحياة المهنية التي قد تمتد إلى 40 عاما أو أكثر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي