رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


نقائض الطويرقي

احترت وقد اطلعت على مقالتي الدكتور عبد الله الطويرقي في الزميلة "الوطن" في 14 و16 من هذا الشهر وبعدهما تصريحه لـ "العربية نت" ماذا أسمي هذه الجعجعة في القول؟! وأي طويرقي هذا الذي قال ما قاله: هل هو الأستاذ الجامعي في الإعلام؟ هل هو رئيس تحرير جريدة "المسائية"؟ هل هو كاتب الرأي في "الجزيرة" و"الوطن" وغيرهما؟ أم هو عضو مجلس الشورى؟ وقلت في نفسي فليعرض الطويرقي الكاتب بضاعته على الطويرقي رئيس التحرير .. أتراه يجيزها للطويرقي الكاتب وقد نادى فيها بمحاسبة وسائل الإعلام التي تنتقد مجلس الشورى أو أداء أعضائه، وبمنع الإعلاميين من التغطيات الإعلامية لجلسات المجلس وبسن قانون يعاقب ويجرِّم وسائل الإعلام التي تتناول المجلس وأعضاءه ويطالب باستدعاء وزير الثقافة والإعلام ورؤساء تحرير الصحف ومديري المحطات الفضائية لتعريفهم (بماهية وطبيعة هذا المجلس الذي لا يعرف "معظمهم" حقيقة وظيفته ودوره!!)، ووصفه لما يصدر عن محطات التلفزة بأنه عبث إعلامي ومجون درامي فني، وسخريته من كتاب الرأي والصحافيين الذين أصبحوا بين يوم وليلة نيابيين لا يشق لهم غبار (مثله!!) معتبرا الكتابات حول المجلس مجرد فبركات صحافية وفرقعات إعلامية ومقالات الرأي مجنحة، وأنه بسبب ذلك وبسبب حلقة طاش "ليبراليون ولكن" (ينبغي التحرك لاتخاذ موقف "صارم" من عبث الإعلام وتطاوله..)!!
نعود للسؤال: هل يجيز رئيس التحرير الطويرقي هذه الآراء للكاتب الطويرقي؟.. إنه لو أجازها لناقض نفسه لكونه (ينهي عن خلق ويأتي مثله!!)، وإذا لم يجزها فهو بحكم مَن يكتب لنفسه أو يتحدث إليها أمام المرآة.. والأمر في الحالتين محزن!!
لكن ماذا لو أننا نتحدث عن الدكتور عبد الله الطويرقي الأستاذ الجامعي في الإعلام؟ كيف سيطابق تلامذته بين محاضراته عن الدور التنويري للإعلام، وعن جوهرية حرية التعبير وإبداء الآراء والتحليل والنقد، وبين مطالبته بسن (فرمان) يحاسب الإعلام والإعلاميين وأهل الفن ويجرمهم؟ صدقوني.. لم أستطع وأنا أقرأ وأطلع على ما قاله الدكتور عبد الله الطويرقي منع نفسي من التفكير بكلمات جوبلز، وزير دعاية هتلر: "أتحسس مسدسي كلما سمعت كلمة ثقافة"، ولا منعها من تذكر حملة عضو مجلس الشيوخ الأمريكي جوزيف مكارثي في منتصف القرن الماضي التي قادها ضد الكتاب والفنانين في الولايات المتحدة تحت ذريعة محاربة الأفكار الهدامة ومطالبته بتكميم أفواههم وتجريمهم!!
بقي من الدكتور الطويرقي برلمانيته.. وها هنا يصبح "الشق أوسع من الرقعة"، كما يقول مثلنا الشعبي، فبدلا من أن يكون صوتا معبرا عن هواجس الناس وتطلعاتهم، يفترض فيه أن يتحلى برحابة صدر وانحياز لحق الآخرين في التعبير عن وجهات نظرهم وما ينتظرونه من مجلس الشورى، نجده يدور 180 درجة في مواجهة نافية نابذة للآخرين باعتبار هؤلاء الآخرين قاصرين لا يفقهون في الإعلام ولا الثقافة البرلمانية، رغم أن الطويرقي يوقع نفسه (دون أن يدري) في تناقض حاد، لأنه يصب اللوم على المجلس الذي: "لم ينعتق من التنظيم الهيكلي ولا يزال بعد 12 عاما يقيد نفسه حرفيا بنصوص النظام التي يفترض أنها قابلة للتعديل وهو بعيد عن رصد الشارع ونبضه". كما قال!!
والحقيقة أن مثابرة الدكتور الطويرقي على تكرار (مجلس الشورى اليوم) توحي بأن المجلس قد تغير (فقط) يوم أصبح عضوا فيه أو أن الإعلاميين والصحافيين هم الذين تغيروا (فقط) بالتزامن مع وجوده فيه، ناسياً أن السجالات حول أداء المجلس ولدت مع ولادته، وهو نفسه كتب حوله، لكن يبدو أنه وقع في (الحماسة المفرطة) التي حذر منها السياسي الفرنسي الداهية "تاليران"، وبالتالي فهو (اليوم) يريد مجلسا وإعلاميين وصحافيين ومحطات فضائية وفنانين على المزاج!! ولكيلا أكون مغالطا دونكم قوله: (مجلس الشورى "اليوم" لم يعد قادرا على أداء مهامه.... بسبب هذا الطيش الصحافي الذي أشغل أجهزة المجلس عن بكرة أبيها وشتت انتباهات الأعضاء وبدد هدأة بالهم!!) أو قوله: (فما يحدث "اليوم" للمجلس من خروقات إعلامية يشي بمستقبل مظلم لأحوال العمل النيابي!!)، ولذلك، فهو كما يقول، يجد نفسه "مضطرا" لطرح فكرة قانون معاقبة الإعلام.. (قبل خراب مالطا) على حد تعبيره، وفي مكان آخر: (لا بد مما لا بد منه في مسألة تجهيز جسم متكامل للعقوبات وجرائم النشر) آه.. ويحي "إني أشم رائحة شيء يحترق.. أرجو ألا يكون عقلي"!!
وبعد.. لقد كانت نقائض جرير والفرزدق الشعرية مجرد "إثارات تنابزية" مقبولة في حينها، علاوة على أنهما شاعران وليسا شخصا واحدا، لكن نقائض الدكتور عبد الله الطويرقي لا تخرج عن كونها جعجعة فادحة، لأنها تصدر عن رجل يعيش عصر العولمة والشفافية والقرية الكونية وفضاء الإنترنت اللا محدود واندلاع الثقافات على بعضها، فضلا عن أنه بالنسبة لبلادنا يعيش عصر الحوار الوطني وسعة أفق رئيس مجلس الشورى الذي لم يجار الدكتور الطويرقي في حماسه لسن "فرمان" المنع والتجريم ضد الرأي والكلمة.. فكيف بالله نبرر، أو نفسر، أو نقبل هذا التهافت؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي