العرب وإيران .. المصير غير المشترك
في مناسبات كثيرة تطلب إيران من الدول العربية وبالذات دول الخليج العربي أن يجلسوا لمناقشة كل القضايا الخلافية بحجة أن بين الدول العربية وإيران مصيرا مشتركا!
آخر المبادرات التي طرحها الإيرانيون على دول الخليج هي المحاولة التي بدأت من الكويت في الأسبوع الماضي.
وطبعا عبارة "المصير المشترك" يفهمها العرب بطريقة مغايرة للمفهوم الإيراني، ومن وجهة نظر الخليجيين وكذلك العرب فإن إيران لم تترك مصيرا مشتركا مع العرب، كما أن قيادات الملالي ما انفكوا يطالبون دول العالم بالكف عن استخدام عبارة "الخليج العربي" بحجة أنه خليج فارسي وليس خليجا عربيا، مع العلم أنه خليج عربي قبل الوجود الفارسي في المنطقة بدليل أن كثيرا من المدن الإيرانية ما زال يحمل أسماءها العربية القديمة حتى الآن، أيضا فإن إيران في عهد الملالي رفعت وتيرة التدخل في الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية حتى وصل الوجود الإيراني إلى أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، أكثر من هذا فإن إيران تدفع شيعة البحرين إلى الثورة والانقلاب على الحكومة الشرعية، وهي التي تدعم قوى الانفصال في البحرين، وهي التي تعكر صفو الاستقرار والأمن في كل منطقة الخليج، بل هي التي تنشر عملاءها لنشر المذهب الشيعي في كل الدول العربية بما في ذلك دول المغرب العربي.
وطبعا كل هذه المواقف الإيرانية العدائية لن تجعل مصيرا مشتركا بين الحكومة الإيرانية والحكومات العربية التي كانت وما زالت تبحث عن مصير مشترك حقيقي بينها وبين إيران.
إن الإمارات ـــ على سبيل المثال ـــ تسعى ما وسعها الجهد مع شقيقاتها الخليجيات إلى البحث عما تبقى من سياسات إيرانية تنشد المصير المشترك، لكنها في الحقيقة لم تجد أي سياسة إيرانية تحرص على المصير المشترك.
إن وثائق الحدود الدولية التي صممتها بريطانيا في بداية القرن العشرين تعطي الإمارات حقوقا مشروعة في جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، ولكن بريطانيا كعادتها وضعت الزيت في النار وأتاحت للإيرانيين فرصة المحاججة والاستشكال، وها هي إيران تسلط الضوء على ما يعنيها من عبارات في الوثائق البريطانية، وتسقط ما لا يعنيها من أدلة وتوثيق رغم وضوح الرؤية في ملكية الإمارات لهذه الجزر.
وتأمل الإمارات من المناخ الدولي الحالي أن يتخذ قرارا تدعمه الدول الكبرى بدفع ملفات هذه القضايا إلى محكمة العدل الدولية، وإذا حدث وقبلت المحكمة الدولية النظر في القضية رغم رفض إيران وهو أمر نستبعد اتخاذه، فإن الإمارات تأمل في الحصول على حكم يصدر من محكمة العدل الدولية لمصلحة عودة الجزر الإماراتية إلى حضن الوطن الأم الإمارات.
والواقع أن المناخ السياسي الذي تمر به هذه القضية يؤكد أن الإمارات على حق فيما تنشده، وأن المناخ الدولي معبأ ضد حكومة الملالي التي اقترفت مواقف إرهابية وعدائية كثيرة ضد مبادئ الأمن والسلم الدوليين.
وما نود أن نؤكده أن الارتهان إلى المفاوضات الثنائية بين الإمارات وإيران لاستعادة الجزر الثلاث هو مضيعة للوقت، ولقد أثبتت 40 عاما مرت على هذه القضية أن إيران ليس لديها نية في إعادة الجزر الثلاث إلى الإمارات، ولا حتى جزيرة واحدة، بل في ضمير إيران أن تستخدم عامل الوقت والتسويف حتى تسقط بالتقادم حقوق الإماراتيين في المطالبة بالجزر الثلاث، ولا سيما أن إيران تعتبر هذه الجزر هي جزر إيرانية اغتصبتها بريطانيا العظمى إبان الاستعمار البريطاني للخليج وجيرتها إلى الإمارات المتصالحة، وأن إيران تسعى ما وسعها الجهد إلى استعادة الجزر إلى الحضن الإيراني.
هذا عن أطماع إيران في الإمارات، والكلام عن المواقف الإيرانية العدائية ضد العرب ينتشر في كل الدول العربية، وتنشط في هذه الأيام حكومة الملالي في إرسال عملائها إلى مصر وإلى دول المغرب العربي لنشر المذهب الشيعي، أما وجودها ونفوذها السياسي والعسكري في العراق وسورية ولبنان وأخيرا اليمن فلا يحتاج إلى مجادلة أو نقاش!
والواقع أن إيران لا تعرف إلا لغة المواجهة، وخيرا فعلت السعودية حينما جيشت الأمة العربية وحشدت إرادتها السياسية في الجامعة العربية لتنفيذ قرار الجامعة العربية بتكوين الجيش العربي للدفاع عن سيادة واستقلال الدول العربية وهو قرار اتخذ منذ أكثر من نصف قرن، لكن إرادة التنفيذ غابت طوال هذه السنوات، وحينما تحركت السعودية بدعم من كل القوى العربية المخلصة تم إقرار تشكيل القوة العسكرية العربية، كما أن السعودية نجحت في تشكيل الجيش الإسلامي تحت شعار الحرب على الإرهاب الذي تتعرض له الدول الإسلامية من الجمهورية الإيرانية ومن غيرها من الدول والجماعات التي ترعى الإرهاب.
إذن الكلام المبرمج الذي يرد على لسان السياسيين الإيرانيين بين فترة وأخرى عن "المصير المشترك" هو كلام ليس له أصل أو أساس في ممارسات السياسة الإيرانية، فإيران كثيرا ما تعاملت مع الدول العربية دون مصير مشترك، بينما أثبتت الحكومات العربية وبالذات الدول الخليجية أنها هي المعنية بالمصير المشترك وليس الحكومة الإيرانية.