جامعاتنا .. وتعزيز منافسة منشآتنا الاقتصادية

المنافسة العادلة مصطلح اقتصادي دولي أطلقته منظمة التجارة العالمية وتعمل على تطبيقه بالتعاون مع جميع الدول الأعضاء في هذه المنظمة التي انضمت لها السعودية أواخر عام 2005 لمضاعفة الفرص العادلة لوصول المنتجات والخدمات السعودية للأسواق العالمية وتمكين الشركات الوطنية من الدخول في شراكات فاعلة مع الشركات العالمية والاستفادة من خبراتها المتراكمة في اقتصاد عابر للحدود.
أنظمة منظمة التجارة العالمية تمنع سياسات الدعم والتفضيل والحماية والاحتكار والإغراق وتعمل على إزالة كل ما يعزز هذه السياسات لكونها تخالف مبادئ المنافسة العادلة التي تقوم على القدرة على تقديم سلع وخدمات منافسة في السعر والجودة وزمن ومكان الحصول عليها، ولذلك تسعى الشركات لكسب العملاء "حكومات، شركات، أفراد" في جميع أنحاء العالم بتقديم منتجات عالية الجودة بأسعار وزمن ومكان منافسة.
تنافسية الشركات تعتمد على عدة عناصر منها ميزات تنافسية جغرافية كقرب موارد المواد الأولية أو قرب الأسواق أو رخص التكاليف، ومنها تنافسية الموارد البشرية المؤهلة الإبداعية القادرة على تعزيز تنافسية المنشآت الاقتصادية، ومنها منظومة الابتكار والتقنية المتوافرة في البلاد من مراكز أبحاث علمية وتقنية ـــ جامعية وغير جامعية ـــ قادرة على تعزيز تنافسية المنشآت لجهة الاختراعات التقنية القادرة على إحداث الفرق في المنتجات والخدمات، ومنها القدرات المالية التي تمكن الشركات من استقطاب الكفاءات وتكوين مراكز خاصة للتطوير والأبحاث القادرة على إنتاج تقنيات متطورة تحقق ميزات تنافسية، وإلى غير ذلك من العناصر.
في السعودية تعاني المنشآت الاقتصادية ضعف تنافسية الموارد البشرية الوطنية نتيجة ضعف منظومة التعليم العام والجامعي الأمر الذي ينعكس سلبا على تنافسية هذه المنشآت التي يعاني معظمها، كما نسمع من رجال الأعمال، ضعف تأهيل هذه الموارد فنيا وفكريا واتصاليا حيث عادة ما توجد فجوة كبيرة بين ثقافة هذه الموارد لجهة المعرفة والقيم والمفاهيم وأساليب التفكير والأولويات وبين ثقافة المنظمة التي يعملون فيها ما يجعلهم أقرب للعوائق من المحفزات.
لن أتحدث عن التعليم العام ودوره في بناء منظومة القيم والمفاهيم وأساليب التفكير فذلك موضوع قتل بحثا ونقدا وأتطلع إلى أن يحدث وزير التعليم الجديد أحمد العيسى نقلة نوعية فيه ليرفد المعاهد والجامعات وسوق العمل بمدخلات بشرية قادرة على استثمار الفرص التعليمية في مؤسسات التعليم المتوسط والتعليم العالي واستثمار الفرص الوظيفية المناسبة لمؤهلات التعليم العام.
حديثي سيكون حول دور الجامعات السعودية في تعزيز تنافسية المنشآت الاقتصادية السعودية من خلال رفدها بموارد بشرية وطنية مؤهلة فنيا في مجال تخصصها ومؤهلة ثقافيا ومؤهلة مهاريا في مجال التفكير والتواصل ومن خلال توفير مراكز أبحاث ودراسات علمية ومالية وإدارية بأسعار معقولة تمكنها من أسباب المنافسة التقنية والمالية والإدارية.
استعرضت معظم مواقع الجامعات ولم أجد أي منها يهتم بموضوع التنافسية على مستوى الوطن أو على مستوى المنشآت الاقتصادية الوطنية أو على مستوى الموارد البشرية الوطنية، الأمر الذي يشي بالتبعية بغياب مفهوم التنافسية ومتطلباتها لدى إدارات هذه الجامعات وهيئاتها التدريسية وطلابها وطالباتها وبالتالي عدم الاهتمام بها من جهة المناهج والأنشطة الطلابية، ومن جهة تأهيل الهيئات التدريسية، ومن جهة التعاون مع المنشآت الاقتصادية الوطنية الخاصة في فهم متطلبات تنافسيتها ونوعية الموارد البشرية التي تنشدها لتتمكن من المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية.
هل هذا معقول في زمن اهتمت فيه بلادنا بقضية التنافسية التي باتت كمفهوم وتطبيق تسيطر على عقليات مفكري الدول كافة حتى بات البعض يتحدث عما فوق التنافسية؟ هل يعقل أن تغيب جامعاتنا عن هذا المفهوم في وقت أصبحت التنافسية والتجارة العادلة من أسباب التنمية إذا تحققت شروطها ومن أسباب التخلف والفقر إذا أهملت كما تفعل جامعاتنا ومعاهدنا التقنية والفنية والمهنية؟
المنشآت الخاصة لا تنافس دون موارد بشرية منافسة جديرة بالوظيفة وقادرة على الابتكار والإبداع وزيادة الكفاءة والإنتاجية والوطن في حاجة لهذه الموارد المنافسة والمنشآت الاقتصادية المنافسة التي لا يمكن أن تتوافر دون اهتمام كبير من الجامعات والمعاهد، فضلا عن التعليم العام بقضية المنافسة وتحقيق شروطها وترسيخ مفهومها في أذهان الموارد البشرية الوطنية لتعمل على استثمار الفرص التعليمية كما تعمل على تنمية ذاتها من خلال النفاذية الإلكترونية المتاحة حاليا لمصادر المعلومات والمهارات والفكر وأساليب التفكير والمفاهيم الحديثة في المجتمعات الرأسمالية القادرة على المنافسة.
نريد لجامعاتنا ومعاهدنا أن تخرج موارد منافسة في سوق العمل دون حاجة للدعم على حساب الوافد، نريد أن يوظف القطاع الخاص السعودي قدراته ومهاراته وتميزه وتفوقه على العمالة الوافدة، كما نريد أن تدعم جامعاتنا من خلال برامج خدمة المجتمع إعداد قادة سعوديين منافسين قادرين على إدارة الشركات الخاصة والانتقال بها للعالمية. بكل تأكيد هذا يتطلب احتضان هذه الجامعات والمعاهد مفهوم التنافسية وأسبابها ومن ثم بناء شراكات استراتيجية مع الشركات السعودية القيادية لتطوير المناهج والهيئات التدريسية والوسائل التعليمية ومراكز الأبحاث للتكامل في تعزيز تنافسية الشركات من خلال تعزيز تنافسية الموارد البشرية الوطنية. نريد أن تلعب جامعاتنا ومعاهدنا دورا كبيرا في التوعية بقيمة المنافسة ومفاهيمها والقيم المعززة لها وانعكاساتها على الاقتصاد والتنمية، وأن تعمل على تحفيز الأجهزة والهيئات الحكومية والشركات ومؤسسات المجتمع المدني المتميزة التي تسعى للجودة والمنافسة للتعاون مع الجامعة.. وعقد شراكات استراتيجية طويلة الأمد تدعم خلالها الجامعة في تطوير قدراتها معرفيا وماليا ومعنويا.. وربطها بعلاقات دولية مميزة تمكنها من تحسين بيئتها التنافسية بمراحلها كافة.
ختاما أتطلع إلى أن يتم التنسيق بين الهيئة العامة للاستثمار ووزارة التعليم للتكامل في نشر ثقافة التنافسية لدى الطلاب في التعليم العام والمعاهد والجامعات وتوظيف المعاهد والجامعات لتعزيز تنافسية المملكة ومواردها البشرية ومنشآتها الاقتصادية وتحفيز المنشآت الاقتصادية الكبرى ورجال الأعمال للتعاون مع الجامعات ودعم ورعاية برامجها ومشاريعها وأنشطتها واستثمار مخرجاتها البحثية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي