مواجهة التطرف .. بفقه الجهاد الصحيح
مازلت على قناعة أنني وأبناء جيلي ومن قبلي كنا محظوظين جدا بالدراسة العميقة لمناهج الشريعة الإسلامية سواء في المراحل المبكرة من مراحل التعليم أو في الجامعة ومرحلة الدراسات العليا التي فرضت علينا بعض المواد الإلزامية ذات المنهج الرصين رغم أننا لم نكن متخصصين في الدراسات الشرعية.
لقد أسهمت تلك المناهج في صقل شخصياتنا وإثراء أفكارنا وترسيخ قيم الاعتدال في نفوسنا.
لقد درسنا فقه الجهاد بأحكامه الواسعة وحفظنا فيه من أقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين، وما زلت أذكر نقاشنا ونحن طلبة متحمسين حول الضرورات، ومصالح الأمة، وأحكام دقيقة في جهاد المال، والنفس، ودفع العدو، وآراء علماء كثر "كابن كثير" والدمشقي "وابن تيمية" وغيرهم من المتقدمين، وكذلك بعض آراء المتأخرين كابن سعدي، وابن باز، وابن عثيمين، وغيرهم ولهذا كان الانحراف نحو الغلو والتطرف نادرا، ومعظم الانحرافات والأفكار المتطرفة جاءت بعدنا ولم يكن لها علاقة بالمناهج النظامية، وإنما اتضح أن الخروج عن المنهج الأصيل هو السبب الرئيس في موجات التطرف التي جندت الشباب من خلال التنظيمات الحزبية، والفتاوى الشاذة والاستشهادات الدينية المبنية على جهل وضلال بمفاهيم الشريعة الإسلامية.
وهذه المناهج كانت تدرس بالتفاصيل نفسها تقريبا في دول خليجية، وعربية كمصر، والسودان وغيرها قبل أحداث "11 سبتمبر" وقد لجأت بعض وزارات التربية في الدول العربية إلى حذف مناهج الجهاد وما يتعلق بها بعد الهجوم الإعلامي الضخم الذي واكب أحداث 11 سبتمبر.
وقد أدى هذا الحذف والاختزال إلى تعقيد المشكلة، وكان البديل لغياب المناهج العلمية وفقه الجهاد الشرعي هو تلك المواقع المشبوهة التي تعتمد على الفتاوى الشاذة والمضللة، وتقلل من علماء الأمة وتشوه صورتهم حتى أصبح القتل، والتطرف، والغدر، من سمات الجهاد المزعوم.
لقد رأينا نتائج غياب فقه الجهاد الحقيقي في سيطرة فكر "داعش" و«القاعدة» ومنظمات متطرفة أخرى تستحل دماء المسلمين، وتكفر الدول والحكومات، وتحرض على تدمير الأوطان واغتيال القادة والمسؤولين والعلماء، ونشر أبشع صور الفتك والتنكيل بالمخالفين وغيرهم.
لقد رأينا باسم الجهاد صورا في غاية البشاعة لشباب من أبناء المسلمين يقتلون بعضهم ويفجرون المساجد والكنائس، ويحرقون المكتبات، ويغتصبون النساء، ويقتلون المستأمنين الغافلين ويرددون "الله اكبر" بهمجية قذرة تنم عن جهل فاضح بمقتضيات الدين الإسلامي بشكل عام وشعيرة الجهاد بشكل خاص، وكنت أتساءل ماذا لو درس هؤلاء الشباب الجهلة "فقه الجهاد" كما درسناه وفهمناه نحن ومن سبقنا؟ هل سيقدمون على ارتكاب هذه الأعمال الإجرامية بقلوب مطمئنة كما يفعلون الآن؟
ولهذا أرى أن إعادة تدريس المناهج الشرعية بعمقها ورصانتها التي درسناها سابقا هو خط الحماية الأول لحفظ الشباب من الاندفاع نحو التطرف وتخريج أجيال معتدلة تعرف ما عليها لدينها ولوطنها.