"الإعصار الخفي" يدفع سوق النفط إلى مزيد من الارتفاع

"الإعصار الخفي" يدفع سوق النفط إلى مزيد من الارتفاع

تعاني المصافي الأمريكية متاعب عديدة، من اشتعال النيران إلى التسرب وبعض الأعطال الأخرى، وهو ما أسهم في دفع أسعار البنزين إلى أعلى للدرجة التي تقارب ما كانت عليه في صيف العام الماضي وحرب إسرائيل ضد حزب الله.
هذه الأعطال أطلق عليها البعض "الإعصار الخفي"، في إشارة إلى تأثيرات إعصاري كاترينا وريتا، وأدت حالة الاختناق إلى زيادة سعر جالون الوقود 50 سنتا إلى أكثر من ثلاثة دولارات. فمنذ بداية العام أعلنت 150 مصفاة عن متاعب بصورة أو أخرى، فهناك حرائق في لويزيانا، تكساس، إنديانا، وكاليفورنيا. المصافي عانت انقطاع الكهرباء وتقليص نشاطها، بل وبعضها أصابته فيضانات، ما أدى إلى إغلاق بعضها كتلك المتوسطة الحجم في كانساس في حزيران (يونيو) الماضي، وأخيرا في بريطانيا.
وبصورة عامة تعمل المصافي الأمريكية أقل من الطاقة التي كانت تعمل بها بنحو 5 في المائة في العام الماضي. ويرى آدم روبنسون من شركة ليمان برازرز، أن الوضع الحالي يعد نتاجا لاضمحلال الطاقة الإنتاجية الفائضة. فبعد إعصاري كاترينا وريتا، قامت الشركات بتعطيل أعمال الصيانة كي تغلق العديد من المصافي ولتتمكن من تلبية الطلب المتصاعد.
ويرى المحللون أن المصافي تدفع الآن ثمن ذلك التصرف، فعدم الصيانة أدى إلى هذه القطوعات المتتالية. وبصورة عامة يمكن القول إن حجم القطوعات أعلى منه هذا العام مقارنة بالعام الماضي، ما أدى إلى فقدان نحو 1.5 مليون برميل يوميا في المتوسط حتى الآن مقابل حجم راوح بين 700 و900 ألف برميل في الفترة بين عامي 2001 و2005. وعقب إعصار كاترينا تم تعطيل نحو خمسة ملايين برميل من الإنتاج، ولا تزال المصافي تعاني آثار كاترينا بصورة أو أخرى حتى الآن. وخلال الربع الأول من العام الماضي بلغ حجم الفاقد 1.3 مليون برميل يوميا.
لكن ارتفاع الأسعار سواء بالنسبة للخام أو الوقود لا يعود فقط وبصورة حصرية إلى المتاعب التي تعانيها المصافي، وإنما تساعد على ذلك المتاعب السياسية والأمنية لمنتج مهم مثل نيجيريا، وإلى متاعب فنية تعانيها حقول النرويج، لكن متاعب المصافي الأمريكية لها ضلع كبير فيما يخص توافر الوقود والمنتجات المكررة الأخرى، خاصة في موسم قيادة السيارات الحالي، ولهذا زادت الأسعار بنحو 35 في المائة منذ بداية العام بالنسبة لجالون الوقود، بينما زادت 23 في المائة بالنسبة للنفط الخام. وربما يكون الإحساس أن هناك دائما احتمالا أن يحدث شيء ما خطأ في السلسلة الإنتاجية للصناعة النفطية، خاصة جانب العمليات النهائية التي تشمل المصافي، ما يسهم في دفع الأسعار إلى أعلى.
ومن العوامل التي أثرت في وضع صناعة التكرير الحاجة إلى مقابلة المتطلبات البيئية كالتخلص من بعض الكيماويات الضارة. وبسبب هذه المتطلبات يعتقد أن المصافي أنفقت بين عامي 2002 و2006 مبلغ تسعة مليارات دولار لإنتاج الديزل ذي المحتوى الكبريتي المنخفض، لكن إنتاج هذا النوع يتطلب قدرات أعلى في التكرير وضغوطا حرارية أشد، وبالتالي تزايد احتمالات حدوث أعطال أكثر.
وتزايدت المخاوف فيما يخص وضع السلامة خاصة بعد حادث الحريق الذي تعرضت له مصفاة "بي. بي" في تكساس قبل عامين، وهو الحادث الذي قتل فيه 15 عاملا. فهناك غياب للاستثمارات في هذا الجانب. الوكالة الفيدرالية المسؤولة عن التفتيش على المصافي وسجلها في ميدان السلامة قامت بالفعل بالتفتيش على أوضاع 500 مصفاة بين عامي 1994 و2004، وهي تخطط لإنجاز عمليات التفتيش لكل المصافي القائمة في غضون عامين.
استهلاك البنزين وصل إلى 9.7 مليون برميل في اليوم في الفترة الأخيرة، وهو ما يعد ثاني أعلى معدل على الإطلاق. فالهامش والطاقة التكريرية الفائضة لم تعد موجودة كما الوضع قبل سبع سنوات مثلا، هذا إضافة إلى أن الولايات المتحدة لم تشهد بناء مصفاة جديدة لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان، إذ صارت أغلى تكلفة، إلى جانب أن الاهتمام بالجوانب البيئية أسهم في تقليص الهامش الربحي للشركات، التي تفضل بالتالي بيع النفط خاما. لكن الأسعار الجديدة جعلت الهامش الربحي للتكرير يقفز خمسة أضعاف من خمسة دولارات إلى نحو 25 دولارا.
وبسبب خاصية سوق النفط العالمية، فإن الولايات المتحدة كونها صاحبة أكبر اقتصاد، وبالتالي أكبر مستهلك للنفط ومنتجاته المكررة في العالم، تلجأ إلى الأسواق الخارجية لتغطية العجز في الإنتاج المحلي. لكن وضع الإنتاج العالمي من المشتقات المكررة تحيط به متاعب مماثلة. فقد أسهم المناخ العام للصناعة في تصاعد تكلفة إنشاء المصافي، وبصورة يمكن أن تؤدي إلى التقليص من حجم الطاقة المخطط لإقامتها من خلال إنشاء عدد من المصافي في منطقة الشرق الأوسط وآسيا.
وتشير دراسات لبيت الخبرة "فاكتس" إلى احتمال أن تؤدي التكلفة المرتفعة إلى تقليص الطاقة التكريرية المخطط لها خلال السنوات الخمس المقبلة بنحو مليوني برميل يوميا في منطقة الشرق الأوسط وحدها، إلى جانب 800 ألف من الطاقة التكريرية في آسيا.
ويقول فريدون فيشاراكي المدير التنفيذي، إن الدراسة توضح أن طاقة التكرير في منطقة الشرق الأوسط ستزيد من الآن وحتى العام 2012 بنحو مليوني برميل مقابل خطط تضع الزيادة في حدود 3.7 مليون برميل يوميا. أما الطاقة الآسيوية فستزيد 5.2 مليون بدلا من ستة ملايين برميل خلال الفترة نفسها، فالتكلفة تصاعدت بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين، الأمر الذي أثر في هذه المشاريع ودفع إلى تأجيل بعضها أو إلغاء بعضها بصورة نهائية.
من ناحية أخرى، فإن الكتاب الإحصائي السنوي لـ "أوبك" للعام 2006، الذي سيتم نشره رسميا الشهر المقبل يشير إلى أن الطاقة التكريرية للدول الأعضاء في المنظمة ارتفعت من 7.23 مليون برميل يوميا عام 1990، إلى 7.79 مليون بعد ذلك بخمس سنوات، ثم إلى 8.85 مليون في 2000 وإلى 9.23 مليون برميل يوميا بنهاية العام الماضي، وهو ما يمثل 10.6 في المائة مقارنة بالطاقة التكريرية العالمية. ويمثل هذا تراجعا طفيفا من ناحية النسبة، إذ كانت عام 2000 تمثل 10.8 في المائة من الطاقة التكريرية العالمية. ويعود ذلك بصورة رئيسية إلى الزيادة في حجم تلك الطاقة من 82.2 مليون برميل يوميا بنحو 4.5 مليون برميل يوميا، بينما زادت طاقة "أوبك" التكريرية خلال الفترة نفسها من 8.8 مليون برميل يوميا إلى 9.2 مليون.

الأكثر قراءة