رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الرياض و"العيد عيدين" والبعد الحضاري ودعوة للتخصيص

"عيد الرياض عيدين" هو شعار أمانة منطقة الرياض لعيدي الفطر والأضحى المباركين. برنامج صاخب ومرح ومسرحيات وعروض ومعارض سيارات أثرية وألعاب نارية, مجهودات تستحق الشكر والتقدير, وأكثر تقدير لها هو أن نتحرر من بعض قيودنا الاجتماعية التي ليس لها أساس ديني والتقوقع وكره الآخرين أو الترفع عنهم, وأن نقوم بواجبنا الاجتماعي لإنجاح هذه الاحتفالات, التي كنا لو نسمع أنها ستقام في جنيف أو باريس لتسابقنا على السفر لها وصرفنا عشرات أو مئات الآلاف من الريالات ومشاق السفر والتغرب بينما هي حولنا ومجانا "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا". وهي دعوة مجانية من الدولة وتفضلوا الله يحييكم أنتم وعائلاتكم فبدونكم لن يكون العيد عيدين. ولا تنسوا واجبكم الأول وهو التمتع بمقابلة الآخرين لتعارفوا بنفس بشوشة والواجب الآخر هو المحافظة على ما تقوم به الدولة من تجهيزات حتى تستمر لكم وتستطيع الدولة أن تعيدها لكم في العيد المقبل, فهي منكم ولكم, وكذلك المحافظة على حريات الآخرين وعدم مضايقتهم أو التدخل في أمورهم.

وفي نظري أن هذه المبادرات من الدولة وبمشاركة بعض شركات القطاع الخاص هي فقط لتدريبنا وتعويدنا على مبدأ وطريقة الاحتقالات. وبحيث تتخلى عن هذا الدور تدريجيا أو تخصصها لتصبح مناسبة يتولاها القطاع الخاص والمواطنون فقط. ولتصبح ظاهرة اجتماعية يمكن أن يسهم فيها المواطنون بطريقة مبتكرة وأن يتم التسويق لها خليجياَ وعالمياَ. وأن تتم دعوة مجموعات عالمية من الشباب لنريهم ما لدينا. ولتصبح ظاهرة تدر فرص عمل للمواطنين, سواء للعمل في الإدارة والتنظيم والفعاليات, أو أن تصبح فرصة للترزق فيقوم بعض النساء والأفراد المحتاجون بفتح أكشاك لبيع بعض المأكولات الخفيفة والمصنوعات اليدوية أو الألعاب الترفيهية في وحول مناطق الاحتفالات. وهذا عرف عالمي فمعظم احتفالات العالم يستفيد منا مواطنوها. ولتصبح ظاهرة تولد فينا مبدأ التلاحم وحب بعضنا بعضا, ولتخلق فينا الطريقة الحضرية للتعامل فيما بيننا. ولنرى قريبا حجوزات السفر تتزاحم مقبلة علينا.

فنحن في الأعياد نلجأ إلى السفر إلى خارج المملكة ولكننا نفاجأ بأن تلك الدول سواء عربية أو أجنبية لا تختلف فيما لديها من مناطق ومراكز سياحية أو ترفيهية أو أسواق أو فنادق عما تزخر به مدن المملكة. ولكن الشيء الوحيد الذي نفتقده هو تعاملنا واحترامنا وحبنا كمواطنين بعضنا بعضا ولإخواننا من الدول الصديقة وافتقادنا احترامنا للأنظمة والقوانين, وحبنا التدخل في حريات وخصوصيات الآخرين كأننا أوصياء عليهم. هل مات لدينا كرم الضيافة العربية؟ ولماذا نهرب ونختبئ أو ننعزل عن بعضنا ونكره أن يرانا أو يقترب منا إخواننا حتى في صحراء الله الواسعة تجدنا لا نتحمل أن يحل أحد حولنا بينما نجد هؤلاء المواطنين أنفسهم خارج المملكة في جنيف وباريس ولندن يتمسكون بالنظام ويحترمون ويتزاحمون لمخالطة غيرهم, فسبحان الله!
الكثيرون منا يعتقدون أنهم أفضل من غيرهم وأنهم يتفوقون على غيرهم "ارفع رأسك أنت سعودي غيرك ينقص وأنت تزود" فكلنا سواسية كأسنان المشط ولا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى. .. فمتى نتغير ونصلح هذا الخلل, الذي يكلفنا الكثير من المليارات من المدخرات التي تهاجر إلى الخارج ليستفيد منها جيراننا والأجانب, فالله لا يصلح قوما حتى يصلحوا ما بأنفسهم.
التوعية لاحترام الآخرين وحتى بعضنا بعضا وعدم التدخل في حرياتهم الشرعية واحترام الأنظمة مظهر حضاري ينبع من ديننا الحنيف وتعاليم الشريعة وهو دافع كبير للتحول إلى السياحة الداخلية, التي تعد شريانا اقتصادياَ مهما. هل اندثر كرم الضيافة العربية؟ إننا نفتقد وجود الروابط الاجتماعية بيننا كسعوديين ونحاول أن نختبئ أو ننعزل عن الآخرين بدلاَ من التلاحم والتقارب وحب بعضنا بعضا. فالإنسان المواطن هو محور السياحة, فهو الذي صنع المدن كامتداد لرغباته الاجتماعية والاقتصادية وحلم كثيراً بالتمتع بمباهجها لقضاء أوقات استجمام هنيئة ولاكتشاف حضارات وتجارب الآخرين. والسياحة لن تعيش من دون دور الإنسان الواعي لخلق الأجواء السياحية. وهنا يكمن دور الوعي السياحي لدى المواطن ومدى تقبله فكرة السياحة وما الإغراءات أو التحديات التي تدفعه إلى تبني فكرة السياحة.
والوعي بالاحتفالات والأعياد مهم جداً وهو من أهم المحاور التي يجب أن تسير يداً بيد مع الخطة الوطنية لهيكلة السياحة. فهل نحن كمواطنين جاهزون للسياحة؟ وهل نعي ماذا تدره لنا السياحة من النواحي المادية والمعنوية, مما يعطي التشجيع والتعريف بمواردنا وصادراتنا وديننا وتقاليدنا؟ وهل لدينا كشعب مستهلك للسياحة خارج الوطن وبنسبة كبيرة وعي لمعنى السياحة؟
الوعي السياحي يرتكز تماماً على مدى وعي الشعوب وتقبلهم واحترامهم السائح وتقديرهم لما يدره عليهم من فوائد لاقتصاده ومجتمعه. كما أن السياحة تعتمد على تفعيلنا الحياة الاجتماعية للمدينة وإظهار عاداتنا وتقاليدنا العريقة التي تجذب السياح الذين يبحثون عن التعرف على عادات وتقاليد الشعوب الأخرى. ونحن عندما نجول في المناطق الترفيهية في مدننا نجد أن الأجانب هم المستفيد الأكبر منها بينما نحن كسعوديين مفقودون ونخاف أن يرانا إخواننا الآخرون.
كما سبق أن دعوت إلى ذلك منذ سنوات أعود وأؤكد أن الإنسان هو الذي صنع المدن كامتداد لرغباته الاجتماعية والاقتصادية وحلم كثيراً بالحياة مع إخوته سكان المدينة للتلاحم في المدن العظيمة والقرى. ولكن المدن والقرى لن تعيش من دون دور الإنسان في خلق الحياة الاجتماعية للمدينة والتفاعل الاجتماعي وجعلها حية ومتألقة في ظل وجود البعد الإنساني للمدينة. فالمدن من صناعة الإنسان. ويبقى الإنسان المتحضر هو الخادم والمخدوم وكلما حافظ على حيزه أو بعده الإنساني في المدينة عاشت أكثر لينعم بها. وهو هدف لن يتحقق إلا بتضافر جهود المواطن والدولة. والآن جاءت مسؤولية المواطن في تقديرها بإحيائها والمحافظة عليها والمساهمة في تسديد النقص بقدر المستطاع ومحاولة الاستفادة من الساحات العامة للتقارب والتلاحم الاجتماعي ومحاولة التعايش مع بعضنا البعض. وهي دعوة لإعادة التفكير في هيكلة وتطبيع مبدأ الأعياد والاحتفالات لتصبح مستقبلاَ صناعة سياحية دولية يستفيد منها المواطن, فهناك شركات دولية لديها الاستعداد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي