هل نفهم الغرب على حقيقته؟
قبل 25 عاما دار بيني وبين أكاديمي عربي يعيش في الغرب حوار بشأن طريقة تفكير الإنسان الغربي، مسؤولا كان، أم فردا عاديا. ما دعانا لهذا النقاش محاولة فهم الإنسان الغربي بعمق، ليس بسبب التخصص فقط، لكن لانتمائنا لأمة طالما ذاقت الأمرين من سلوكه، وتصرفاته عبر التاريخ، من حروب صليبية، إلى استعمار لأوطان عدة من بلاد المسلمين، إلى استغلال للثروات بأبخس الأثمان، واستعباد للإنسان، ليقوم بالأعمال الشاقة التي يتجنب الغربي القيام بها.
ولخبرته الطويلة التي امتدت لعشرات السنين لخص لي ما توصل إليه من استنتاج، حيث قال إن شعور الغربي بالفوقية، والتميز من أبرز الخصائص التي تكمن في تفكيره، ومشاعره، رغم أن البعض يحاول إخفاء هذا الشعور، ولعل الثقافة المجتمعية لها دور في تعويد الأفراد على إخفاء هذه المشاعر، ليس لتجنب جرح مشاعر الطرف الآخر؛ بقدر ما هو بهدف تحقيق المصلحة التي يرتجيها. صاحبي لم يكتف بهذا الوصف بل أردف قائلا، بعبارة لا تزال ترن في أذني، حيث قال إن الإجرام يسري في دمائهم.
لو رغبنا في اختبار صحة ما ذكر في النقاش لربما وجدنا ما يناقض، ويتعارض مع هذه الاستنتاجات، خاصة إذا اعتمدنا على الخبرات الفردية العابرة، كمجورة، أو صداقة، أو زمالة عمل، إذ توجد نماذج طيبة، تقدر الآخر، وتحترم قيمه، وعادته، وتقاليده، وتعترف بالفضل لأهله، وأذكر بعض الأساتذة الذين يتوقفون عند بعض إنجازات العرب والمسلمين في المعرفة البشرية، والدور الذي لعبوه في النقلة التي حدثت في أوروبا.
إذا أين المشكلة ؟ لماذا نطرح الموضوع للنقاش؟ ولماذا لا نعتبر ما قاله الأكاديمي العربي مجرد خبرة سيئة مرت به، ولا يمكن تعميمها، وهذا الطرح صحيح إلى حد ما، لكن الحقيقة أنه عاش، لعشرات السنين وخبر أفراد المجتمع، من كافة الطبقات، المثقف، وغير المثقف، وسبر الثقافة بعمق، وتعرف عن قرب على الاتجاهات، والمشاعر، حتى توصل إلى استنتاجه، لكن هذا لا يكفي ولا بد من شواهد، وأدلة تسند ما توصل إليه.
بالرجوع للتاريخ نجد أن الحربين العالميتين اللتين أفنيتا مئات الملايين أطلق شرارتها الغرب، ومعظم أطرافها غربيون رغم أن الشعوب الأخرى لم تسلم من شرورها، والآثار المترتبة عليها، يضاف لذلك حرب فيتنام، والكوريتين، وحروب أمريكا الجنوبية، وإفريقيا، كما أن أول من استخدم القنبلة الذرية في العالم سيدة العالم في الوقت الحاضر الولايات المتحدة، التي هي بلد غربي بامتياز. أما الكيان الصهيوني الذي زرع في منطقتنا لإشغالنا، واستنفاد طاقاتنا فشاهد على جرائمه، وإلا كيف يبرر نبذ، وقتل، وتشريد شعب، ليحل محله تجمعات بشرية جيء بها من أصقاع الأرض، لولا أن مشاعر العداء العرقي، والديني توجه طريقة التفكير، والسلوك للإنسان الغربي، خاصة السياسيين منهم، وذوي التأثير، والتوجيه الاجتماعي.
في السنوات الماضية والقريبة، ماذا فعل الغرب بمنطقتين، بدءا بالعراق الذي تم غزوه، وتدميره، وأصبح مستباحا أرضا وثقافة، وثروات، وتفكيك منظومته الاجتماعية، وتحويله إلى مجموعات متحاربة، بعد أن كان متماسكا، وله شأنه على الساحة الدولية، والمبرر المعلن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، هذه الكذبة التي اعترف من شنوا الحرب المدمرة بعدم صحتها، وأنها مجرد تبرير لشن الحرب، وتدمير وطن عربي له شأنه.
ازدواجية المعايير لدى الغرب خاصة في تعامله مع قضايانا في فلسطين، وسورية، والروهينجا، ومسلمي إفريقيا الوسطى، والآن في الوقوف مع المعتدي الروسي على الشعب السوري، ما هذه إلا أمثلة بسيطة، ومن يراجع قرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن يجد فيها ما يتعارض كلية مع ما يدعيه الغرب بشأن حقوق الإنسان، التي اختزلها في التعري، وحرية الشواذ، حتى أصبح هدر دماء المسلمين، وقتلهم جوعا، أشبه بفيلم تسلية يشاهده الغربي، ويتسلى به، بعد عناء يوم طويل.
ما من شك أن السلوك لا يمكن فصله عن طريقة التفكير، والأسس الثقافية، والدينية، والسياسية التي يقوم عليها، ولذا لا غرابة أن تطلق أمريكا ما سمي بالحرب الإستباقية، والعدو المحارب، والاعتقال على أساس نية الإرهاب، والذي يتيح لها شن الحرب على أي بلد، متى شاءت، وكيف شاءت خدمة لمصالحها، ما يؤكد نزعة التفكير العدواني تجاه الآخر، وما الزوبعة الإعلامية، والسياسية المستهدفة تشويه العرب، والمسلمين إلا جزءا من منظومة التفكير التي توجه الساسة الغربيين لاستمرار هيمنة الكاوبوي التي لا ترى الآخر إلا ترسا يتحرك في آلة الرأسمالية البشعة لتسحق كل من يفكر في التحرر من هيمنتها، والوقوف في وجه جبروتها.