إيران .. الاتجاه المعاكس لحسن الجوار
تملك إيران ثروات طبيعية ضخمة، حيث تحتل المركز الرابع عالميا في احتياطات النفط، كما يتوافر لديها ثاني احتياطي عالمي من الغاز الطبيعي. إضافة إلى ذلك لدى إيران عديد من المعادن مثل خام الحديد والنحاس والكروم والمنجنيز والزنك، كما يوجد بها مساحات أراضٍ شاسعة صالحة للزراعة، وتغطي أجزاء كبيرة منها المروج والغابات. وبدأت التنمية في إيران في وقت مبكر إبان النظام الملكي، وكانت تعد في سبعينيات القرن العشرين من الدول الصاعدة والقادمة بقوة إلى مصاف الدول المتقدمة. وعلى الرغم من عنجهية الشاة إلا أنه نجح في تحقيق تنمية اقتصادية، والنهوض بالمجتمع الإيراني وتحقيق مستويات معيشة معقولة.
وبعد قدوم الخميني وسيطرته على مقاليد الأمور، بدأ بإثارة المجتمع الإيراني، وإشعال منطقة الشرق الأوسط بالدسائس والمؤامرات والنزاعات والقلاقل التي أدت في بداية عهده إلى نشوب الحرب العراقية الإيرانية. كما أدت سياسات إيران المشاكسة إلى توتر العلاقات مع دول المنطقة وكثير من دول العالم، بما في ذلك احتجاز طاقم السفارة الأمريكية في طهران لأكثر من 400 يوم. واستمرت سياسات إيران الخارجية في تويتر منطقة الشرق الأوسط، واستغلال الأحداث السياسية والاضطرابات في تقوية النفوذ الإيراني والهيمنة على دول المنطقة منذ ثمانينيات القرن العشرين وحتى الوقت الحالي. وأدت سياسات إيران الخارجية إلى إهدار مواردها على إحداث القلاقل والفوضى في المنطقة ما قاد إلى تردي علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول المنطقة وبلدان العالم. ونتج عن سياسات إيران غير المسؤولة فرض عقوبات اقتصادية عليها، وخفض ثقة العالم بها.
وتتصف سياسات إيران الاقتصادية بالجمود، وعدم الكفاءة، والمبالغة في الاعتماد على صادرات النفط والغاز. وجاء هذا الاعتماد على الرغم من وجود عدد سكان كبير وسوق داخلية ضخمة، وتوافر قطاعات اقتصادية زراعية وصناعية وخدمية ذات إمكانات نمو كبيرة. وعانى الاقتصاد الإيراني من انعكاسات سياسات إيران المحلية والخارجية وفرض العقوبات عليها، حيث نجم عن هذه السياسات تراجع واضح في معدلات النمو الاقتصادي. وقد انخفض الناتج المحلي الإيراني بنحو 6.6 في المائة في عام 2012، وواصل انخفاضه في عام 2013 وبنسبة تصل إلى 1.9 في المائة. وقد حقق بعض النمو في عام 2014 ولكنه لم يكن كافيا لإلغاء التراجعات السابقة. وعلى الرغم من أن رفع العقوبات الاقتصادية سيقود إلى رفع صادرات النفط الإيرانية، إلا أن تراجع أسعار النفط سيلغي الآثار الإيجابية لرفع العقوبات في 2015 م وهذا العام.
وتسيطر الحكومة الإيرانية ـــ وبشكل مباشر ـــ على مئات الشركات الحكومية، بما في ذلك أهم المؤسسات المصرفية، كما تسيطر بشكل غير مباشر على شركات كثيرة مرتبطة بمنظومات قوى الأمن المتعددة. وقد أدت السياسات الاقتصادية الرسمية إلى تشوهات واسعة في الاقتصاد الإيراني، حيث ترتفع معدلات التضخم بشكل كبير، كما تقنن كثيرا من الأسعار، وإضافة إلى ذلك يرتفع حجم الديون المشكوك في تحصيلها لدى المصارف ما تسبب في هشاشة النظام المصرفي. وقادت السياسات الحكومية إلى انتشار واسع للفساد في المؤسسات الحكومية والإنتاجية الرسمية حتى صارت إيران تقبع في مرتبة نزاهة متأخرة، حيث تحتل المرتبة 115 بين دول العام في مؤشرات الفساد لعام 2014. كما قادت السياسات الرعناء إلى انخفاض أسعار صرف العملة بشكل كبير، وفرض قيود كبيرة على أسواق صرفها ما تسبب في نشوء أسواق متعددة لصرفها. والأهم من ذلك، إن هذه السياسات رفعت معدلات البطالة بشكل كبير، ومعدلات هجرة العقول، وتسببت في تراجع مستويات المعيشة لشرائح كبيرة من المجتمع.
لقد قادت سياسات إيران الخارجية ـــ منذ بداية الثمانينيات ـــ مع جيرانها إلى زيادة مستويات عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ودمار واسع للعديد من بلدانها. وأدت هذه السياسات إلى إهدار موارد إيران الاقتصادية على التسلح ودعم الحركات الفوضوية في المنطقة، إضافة إلى إهدار موارد دول المنطقة في الإنفاق على التصدي لهذه السياسات ما خفض معدلات الاستثمار المحلي والخارجي الذي نتج عنه تراجع معدلات النمو الاقتصادي ومستويات المعيشة في دول المنطقة.
تملك إيران من الثروات ما يفيض عن حاجتها، ولكن جنون العظمة والخرافات التي تلازم بعض قادتها، تسببت في تردي وضعها الاقتصادي وإحداث دمار واسع للعراق وسورية، وزعزعة لبنان، وإثارة القلاقل في اليمن وبعض دول الخليج. ولا يدرك مرتكبي حماقات التدخلات الفجة في شؤون الدول الأخرى، أن التدخلات في شؤون الغير لن تعود بالنفع على بلدانهم وشعوبهم والشعوب المنكوبة بتدخلاتهم، بل ستلحق الضرر بشعوب المنطقة وتلحق الأذى بسكانها وتوجد العداوات التي قد تستمر لسنوات طويلة. وستقود هذه التدخلات إلى إبطاء مسيرة التنمية وخفض مستويات المعيشة ومآسٍ عديدة لشعوب المنطقة. إن إحلال السلام وعلاقات الثقة والتعاون بين دول وشعوب المنطقة مطلب أساسي لرفاهية المنطقة وشعوبها. لقد خاضت شعوب ودول أوروبا حروبا ضروسا فيما بينها لقرون عديدة، وفي الأخير أدركت هذه الشعوب أن السلام وحسن الجوار والتعاون هي أفضل سياسة للعيش مع الجيران. وتقود العلاقات الحسنة بين الجيران إلى استتباب السلام وحلول الثقة وتدفق الاستثمارات والسلع والخدمات والبشر بين البلدان، ما يرفع معدلات النمو الاقتصادي ورفاهية الشعوب ويلغي مآسي الحروب وعدم الاستقرار الذين يدمران موارد الشعوب ويضيعان فرص التنمية. أوَليس هذا ما تفعله إيران منذ ثورتها حتى الآن.. إذ هي تصر على ذلك.. ضاربة المثل على السير في الاتجاه المعاكس لحسن الجوار.