هل ينتهي البترول منتصف القرن؟

كتب أخونا وحبيبنا وزميلنا في "الاقتصادية" والمواطن الخليجي الذي لم تلده أم خليجية، ليون برخو، مقالا في يوم الجمعة 25 ديسمبر 2015، كعادته، جميلا ووطنيّا حول " السيناريو " الجديد للبترول. ليس لي تعليق مباشر على مضمون المقال، فهو كاتب مبدع ويختار جمَله وفقراته بعناية تامَّة. وإنما لي ملاحظة عامَّة على ما تعنيه الجملة التالية المنقولة من المقال، " قبل أقل من عقدين من الزمن كان العلماء والمختصون يخشون كثيرا نفاد النفط في العالم. وكانوا قد وضعوا سيناريوهات يتنبأون من خلالها بأن العالم سيشهد زوال أو انتهاء النفط بحلول منتصف القرن الواحد والعشرين ". وأقول إن النظرة لمستقبل البترول لم تتغير، فقد كان المقصود بمضمون العبارة السابقة ما يسمى حاليّا " البترول التقليدي ". وهو الذي يمد العالم اليوم بما يقارب 90 في المائة من الاستهلاك العالمي. وبطبيعة الحال، وسواء صح نقل عبارتي زوال وانتهاء من الأصل من قِبَل الكاتب الكريم أم لم يصح، فحتما لم يكن المقصود المعنى الحرفي. فإنتاج البترول من مسام الصخور لا يتوقف بل ينخفض إلى مستوى يصبح إنتاجه غير اقتصادي. وهذا الافتراض لا يزال قائما حتى يومنا هذا. ونحن نتحدث هنا عن التقليدي الرخيص، أو ذي التكلفة المعتدلة. فمن المحتمل أن يصل الإنتاج من هذا النوع في منتصف القرن إلى مستويات متدنية جدّا. ويكون قد تحول ما بقي منه إلى غير تقليدي، من حيث كمية الإنتاج الضئيلة وارتفاع التكلفة. وتقدير احتياطي التقليدي حاليّا، إذا استثنينا إضافتي فنزويلا وكندا الأخيرتين من غير التقليدي وهو ما يقارب 400 مليار برميل، فالباقي لا يتجاوز ترليون برميل.
ويا ترى، ما الذي تغير منذ ظهور التنبؤ بقرب نضوب التقليدي عند منتصف القرن؟ طبعا أضافوا إلى التقليدي احتياطي الموجودات البترولية غير التقليدية التي لم نكن نتحدث عنها في الماضي. وهذا أعطى انطباعا بوجود كميات هائلة من البترول، وبأن عمر البترول طويل، ربما مئات السنين، وليس بضعة عقود. وهو صحيح 100 في المائة، ولا غبار عليه. فما الذي إذا حدث؟ كما أسلفنا، كان الحديث حول البترول التقليدي الرخيص. ولكننا خلال السنوات الأخيرة، وبعد ظهور بوادر شح في إنتاج المصادر التقليدية التفتنا إلى المصادر البترولية غير التقليدية. وبدأنا بالبترول الصخري الأمريكي والرملي الكندي لكون إنتاجهما أقرب من حيث التكلفة إلى التقليدي. وهناك البترول الثقيل الذي توجد نسبة كبيرة منه في فنزويلا. والصخر البترولي، وهو غير البترول الصخري. والأول يوجد فوق سطح الأرض، كما هي الحال بالنسبة للرمل البترولي. إضافة إلى كميات كبيرة من البترول توجد في البحار العميقة والمناطق المتجمدة، وتصنف مع غير التقليدي لارتفاع تكلفة وصعوبة إنتاجها. ويقدر احتياطي غير التقليدي بما يزيد على ثلاثة إلى أربعة ترليونات برميل. وكان معروفا وجودها لدى المتخصصين منذ سنوات طويلة، ولا نعتبرها اكتشافا جديدا. وهذه الكميات الهائلة تؤكد بقاء البترول لعقود طويلة، ولكن ليس بالصفة التي بين أيدينا اليوم. فعندما ينتهي البترول التقليدي الذي نعَتوه بالرخيص، سوف تتغير الصورة كليّا. ونتوقع أن يحدث التغيير الجوهري قبل منتصف القرن. فمن معطيات إنتاج أنواع غير التقليدي نستطيع أن نتنبأ بأمرين: الأول، ارتفاع معدل تكلفة الإنتاج بوجه عام، وهي الحالة التي يتميز بها إنتاج البترول غير التقليدي. والثاني، احتمال حدوث شح كبير في الإنتاج العالمي. وهذه أيضا من طبيعة إنتاج غير التقليدي المتمثلة في قلة المحصول. أو بمعنى آخر، من المستبعد أن يستطيع إنتاج غير التقليدي تعويض النقص المتواصل من إنتاج التقليدي. وسينتج عن ذلك الوضع نقص حاد في الإمدادات البترولية قبيل عام 2050.
ومن المؤكد أن أسعار البترول لن تظل عند مستواها الحالي طويلا، فهذا لا يتناسب مع طبيعة الأمور. وسترتفع إلى مستوى يسمح للبترول الصخري في أمريكا الشمالية بأن يستعيد مكانته التصاعدية. ويتهيأ الرمل البترولي الكندي للنمو هو الآخر. وتبقى مصادر الصخري خارج أمريكا تنتظر وصول السعر إلى 130 دولارا للبرميل فما فوق ليصبح إنتاجه ذا جدوى اقتصادية.
والآن، وقد تحدثنا عن أنواع النفوط وكمياتها التقديرية، نود أن نغير من الفهم القديم لمستقبل الإنتاج البترولي إلى وضع أكثر واقعية وأقرب إلى المنطق. فعلى الرغم من وجود هذه الكميات الهائلة من البترول، بصرف النظر عن مستوى التكلفة لأي نوع، فالعالم سوف يجد نفسه مضطرّا لقبول ضمور كبير في الإمدادات البترولية وارتفاعا كبيرا في الأسعار قبل نهاية العقود الثلاثة المقبلة. وهناك عاملان قد يكون لهما تأثير مميز في استهلاك المشتقات البترولية خلال العقود المقبلة، وهما تحول معظم وسائل النقل إلى الكهرباء متى ما أمكن تحقيق ذلك، والتوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة. ونحن نعلم أن توليد الكهرباء إذا لم يكن من الطاقة المتجددة فسوف يستهلك المشتقات البترولية. ورغم ذلك فسيظل البترول مصدرا مهمّا للطاقة ولقيما للصناعة البتروكيماوية، ومن المستحيل أن يختفي من حياة البشر خلال المستقبل المنظور.
ختاما، عندما يكتب ليون عن قضايانا، يبدو كأنه أحد مواطني الخليج من النصح الصادق والغيرة على مستقبلنا. فقد حذر في مقاله آنف الذكر من تطور التكنولوجيا الأمريكية، التي يخشى أن تغير مجرى التأريخ بالنسبة لإنتاج البترول الصخري، وهو ما قد يؤثر في مستقبل إنتاجنا. ومع تقديرنا العظيم لاجتهاده وحسن نيته، نؤكد له أن الصخري بوجه عام، بما فيه الأمريكي، له صفات جيولوجية لا تنفع معها التكنولوجيا، ليس هذا مجال شرحها. وكما تفضل وذكر في مقاله، يجب أن يكون جُلَّ اهتمامنا نحو تنمية أجيال جديدة تحل مكان العمالة الأجنبية وتشارك في جهود البحوث العلمية وتنويع الدخل. وكم نود أن لا يكون أكبر طموحنا بيع أكبر كمية ممكنة من ثروتنا الناضبة. بل العكس هو الذي نتمناه حتى نوجد الدوافع للعمل والإنتاج والمحافظة على ما تبقى من البترول للأجيال القادمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي