رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الموازنة العامة والاقتصاد السعودي

لم تكن هناك مفاجآت كبيرة في الميزانية العامة للدولة، وكما كان متوقعا فقد انخفضت الإيرادات المقدرة للعام القادم وذلك بسبب تداعيات انخفاض أسعار النفط، حيث بلغت الإيرادات المقدرة نحو (513) مليار ريال وحافظت الحكومة على مستويات الإنفاق – وكما كان متوقعا أيضا - والتي وصلت إليها في السنوات الماضية حيث تم اعتماد المصروفات بمبلغ (840) مليار ريال. وبهذا سنواجه عجزا مقداره (326) مليار ريال أي ما نسبته 40 في المائة من حجم المصروفات. وبعبارة أخرى فإن الحكومة تعهدت بصرف مبلغ 840 مليارا، لكن هناك 40 في المائة منها غير مغطاة. ماذا يعني ذلك للمواطن العادي؟ باختصار فإن ميزانية الحكومة لهذا السنة تتعهد بألا تؤثر في مسيرة الاقتصاد وحالة المجتمع. فكيف ستتمكن الدولة من ذلك؟ سنتحدث بشكل مبسط هنا فالدخل الناتج للدولة من جميع مصادرها لن يوفر لنا سوى 513 مليارا وهذا في "المتوقع" وإذا سارت الأمور بشكل حسن، فمن أين ستأتي الدولة بالفرق إذا لزم الأمر. سنكون أكثر وضوحا، هنا. فمسألة العجز مسألة مركبة، فلا يتوقع أحد أن العجز سيحدث في نهاية السنة المالية بعد أن نكون استنفدنا الأموال المتاحة لنا، بل قد يبدأ العجز من أول شهر للصرف، بمعنى أن الدولة تبدأ أعمالها شهرا بشهرا وقد تحتاج إلى دفع المستحقات اللازمة التي تعهدت بها، وسيكون عليها أن تدفع مصروفات كل شهر من الإيرادات التي من المفترض أنها بدأت في تحصيلها، لكن إذا لم نحصل إيرادات كافية في ذاك الوقت، فإننا سنبدأ بمواجهة العجز في الإيرادات فورا وقد نضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة إما بتأجيل الصرف حتى تتوافر الإيرادات (وهو بمثابة دين) أو سوف نقرر فورا الاعتماد على إصدار السندات قصير الأجل (تمويل من المصارف لمدة ستة أشهر فقط) حتى تتمكن الإيرادات من توفير سيولة. ولهذا نص المرسوم الملكي بوضوح على هذا الشأن حيث أكد أنه لا يجوز السحب من الاحتياطي العام للدولة إلا بمرسوم ملكي في حالات الضرورة القصوى المتعلقة بالمصالح العليا للدولة، ويخول وزير المالية بالاقتراض إذا لزم الأمر، ذلك أن وزير المالية لديه صورة واضحة من خلال حسابات الدولة التي يعرف من خلالها هل تتوافر سيولة لسداد المصروفات أم عليه الاقتراض، كما أشارت قرارات مجلس الوزراء بالتأكيد على جميع المستهلكين للخدمات - دون استثناء - بالالتزام بدفع مستحقات شركة أرامكو السعودية، والشركة السعودية للكهرباء، وشركة المياه الوطنية، والجهات والشركات الأخرى ذات الصلة، في مواعيدها. فمن الواضح جدا من هذا الشرح أن المصروفات لها أولوية، بمعنى أن الدولة ملتزمة بدفع ما يجب عليها وذلك حتى السقف المخصص لك لمشروع أو بند، وعلى وزير المالية تدبير الأموال لذلك وعدم التراخي في تحصيل الإيرادات.
يجب أن نوضح هنا أن ميزانية الحكومة هي جزء من الاقتصاد وليست الاقتصاد كله، يجب أن يكون هذا واضحا جدا، فمشكلتنا الاقتصادية أننا نعتمد على مصروفات الحكومة بشكل مباشر في دعم الاقتصاد، وهذه مشكلة لأنه لابد للاقتصاد أن يعتمد على نفسه من خلال قدرته على الإنتاج والتصنيع وقدرته (كموظفين) كذلك على شراء كل الإنتاج وتحقيق استقلال عن ميزانية الحكومة وما تنفقه على نفسها. لكن الوضع مختلف فنحن في المملكة نعتمد على مصروفات الحكومة لنتخذ قراراتنا الاقتصادية، وفي هذا نحن سواء موظفي قطاع عام أو قطاع خاص أو حتى رجال أعمال. فالحكومة هي المشتري الرئيس لكل خدماتنا، (بشكل مباشر أو غير مباشر). فإذا قررت الحكومة أنها سوف تستمر في الإنفاق عند مستويات 840 مليارا فإننا نتوقع بقاء الزخم الاقتصادي كما هو بغض النظر عن حجم العجز وتأثيراته المستقبلية، لكن تراكم العجز في السنوات القادمة سوف يفرض علينا أن نرشد في الإنفاق، ولهذا فخير لنا أن نرشد الآن ونحن في حقبة من التوازن خير لنا من أن نرشد ونحن مجبرون على ذلك. وهذه السياسة هي التي بدأتها حكومة المملكة العربية السعودية بصدور قرارات مجلس الوزراء خلال جلسته التي عقدها يوم الإثنين الماضي برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - في ما يتعلق بشأن ما يتصل بموضوع الإركاب بالطائرات للموظفين المدنيين والعسكريين وكذلك في شأن تعديل أسعار الطاقة والمياه والصرف.
هناك نقطة مهمة جدا يجب أخذها في الاعتبار، وهو سؤال كثيرا ما يثار، لماذا لا تلجأ الدولة مباشرة إلى الاحتياطيات المتوافرة لها بدلا من الترشيد أو بدلا عن التمويل من خلال السندات. يجب فهم أن الميزانية العامة للدولة تعد على أسس اقتصادية تترجمها الأصول المحاسبية الصرفة، فلابد من استقلال السنوات المالية عن بعضها البعض، وهذا مهم جدا، فالدولة يجب أن تحفز الاقتصاد سنويا ويجب أن يعمل الجميع وينتجوا سنويا ما يغطي مصروفاتهم في تلك السنة، هذا هو الأصل، في الاقتصاد الرشيد. وبتمثيل بسيط، فإذا كنت كرب أسرة تعمل سنويا من أجل توفير مصروفات الأسرة في تلك السنة، ومن ذلك الإيجار السنوي والكهرباء وخلافه، حتى مصروفات الترفيه والسفر، وفي إحدى السنوات استطعت زيادة حجم الدخل لديك من خلال أعمال استثنائية كخارج دوام أو غيره، فإنه من المتوقع أن هذا الدخل الإضافي يحقق لك وفورات واحتياطيات، فإذا جاءت السنة التالية فيجب عليك العمل كالمعتاد لتغطية مصروفات تلك السنة وليس الاعتماد على ما وفرته خلال العام المنصرم، كما يجب عليك حسن التصرف في ما وفرته باستثماره بطريقة تدر دخلا إضافيا، وتحسن من قدراتك المالية. فإذا كان هذا صحيحا على مستوى الأسرة فهو صحيح أيضا على مستوى الحكومة، فيجب أن تستقل مصروفات كل سنة وإيراداتها، ويجب أن يعمل الجميع على تحقيق إنتاج وإيرادات تقابل المصروفات التي ننفقها في الحكومة ويجب علينا أن نحسن التصرف فيما لدينا من احتياطات لتعزيز مالية الحكومة. ولهذا نقول بأننا لكي نتجاوز العجز في السنوات القادمة فيجب علينا أن نرفع من مستويات الإنتاج والعمل. يجب ألا نعتمد كثيرا عل الترشيد بل على النمو الاقتصادي نفسه، فدخول الكثير من أبناء الوطن إلى عالم التجارة والصناعة سوف يدعم الكثير من ميزانية الدولة ويحسن من إيراداتها، فهذه الأعمال سوف تقوم بالكثير ومن بين ذلك تقلل حجم التوظيف في الدولة، وأيضا دفع الرسوم التي تقتضيها الأعمال للدولة وهذا سوف يرفع من إيرادات الدولة بشكل كبير، ولو نجحنا في رفع حجم الأعمال والتجارة مع العالم الخارجي فإننا سوف نحقق إيرادات جمركية كبيرة، وهكذا فزيادة الإنتاج والعمل وتوسيع قاعدة الاقتصاد سوف تحقق الإيرادات التي تستهدفها الحكومة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي