رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كنا بعيدين عن الواقع

تأملات الإثنين

..من أهم ما يجب أن نعرفه عن التحول أو التغيير أنه دوما يعني شيئا حسنا لا العكس.
التحول أو التغيير لا تكون له أي الصفتين لا التحسن ولا التراجع، بل الفعل الطبيعي للملاءمة والتواؤم. يدخل علينا الآن فصل الشتاء، فننضى عنا اللباس الذي تعودناه طيلة الأشهر السابقة، ثم نضع لباسا جديدا ثقيلا يناسب مرحلة الشتاء، فهنا تلك الثياب الخفيفة التي غيرناها أو تحولنا عنها للباس الثقيل لا يعني أننا انتقلنا من زي معين إلى زيّ افضل، لا على الإطلاق، بل لأن التحول والتغيير ضرورة تلقائية لتغير موسمي تلقائي وضعه الله سنة للكون منذ نشأته.
نحن الآن في عصر جديد، وفي وقت جديد، وهذا الوقت الجديد يتطلب فهما جديدا أيضا، أو نوعا من الزي الفكري الجديد. في السابق كانت المرحلة لا تتطلب الزي الفكري الذي يجب أن نلبسه الآن بعقولنا كي نستمر في هذه الحياة كما نريد نحن وليس استجابة الريشة في مهب الهواء؟
هذا الزي الجديد هو الواقعية.
كنا في العقود الأخيرة لسنا واقعيين جدا في مفهوم الواقعية الذي يفهمه ويطبقه الآخرون في العالم. ولم يكونوا يطبقونه لأنهم أكثر عقلانية أو تبصرا منا. لا، على الإطلاق، بل لأن الظروف التي هم فيها هي التي فرضت ذلك الواقع المتشابه بين كثير من المجتمعات. كنا في دول الخليج لا نعيش الواقع كما يفهمه بقية العالم، أو أننا فصلنا واقعا لأنفسنا. فنحن الوحيدون في العالم الذي نقارن بالخدمات التي تقدمها الحكومة، فنقول إن هذه الدولة تقدم خدمات مجانية أكثر أو أقل، بينما بقية العالم يرى أن الخدمات الحكومية مثل غير الحكومية لها ثمن، وهذا الثمن يدفع بطرق مادية شتى. هل كنا غلطانين؟ وهل كانوا هم محقين؟ لا أبدا، كنا نعيش ظروفنا، فكان زينا الفكري والعقلي والاستجابة العامة تلائم تلك الظروف حيث إن كل الدخل عند الدولة، والدولة لديها مال كثير من مورد نفيس وغال يطلبه كل العالم بلا استثناء، ومنّ الله علينا منه بالكثير، وكان مربحا جدا. فكان الزي الفكري العام هو الرعاية القصوى من الحكومة لشعبها، وحتى كلمة قصوى تفاوتت بين دولة وأخرى في دول الخليج. وكنا في كل الأحوال بعيدين عن الواقع ليس كما يفهمه بقية العالم، بل كما يعيشونه. إذن المسألة لا تحتمل الخطأ والصح، كما لا تحتمل الأفضل أو ألأقل.
ولكن.. تجد أن من يصر على استخدام زي الصيف الخفيف في زمهرير البرد يراه الجميع خاطئا بالضرورة والحتم وليس بمجرد الرأي، لأنه يلبس لباسا لا يقيه البرد وأمراضه وقد يصاب بالتهاب رئوي ويموت، ويعد انتحارا. وهذا أبعد ما يكون عن واقع الضرورة والحتم وطبائع الأمور.. فضلا عن العقلانية والمنطق.
إذن نحن أمة تتحول، ليس من واقع أفضل لواقع آخر، أو العكس.. بل نلبس اللباس العقلي الواقعي الذي يلبسه بقية العالم. المشكلة في من يصر أن يعيش واقعا مضى أو سيمضي، أو يتباطأ في فهمه، فهنا لم يتغير التغير الطبيعي مع الظروف التي تتطلب الواقع الجديد، ونعرف في القوانين التي وضعها الله في الكون أن ما يخرج عن الرد الطبيعي يكون شاذا فالتا ضائعا.
لكم الحق أن تتساءلوا، من الذي يجب أن يقبل الواقع الجديد بحكم حضوره، الناس أم الحكومة؟ المجتمع أم الفرد؟ سؤال مهم يتطلب مبحثا آخر مستقلا. وأجيب بعموم ما يتطلبه الظرف الواقعي، وهو الموضوعية الطبيعية اللاحقة به، وهي أن كل الأطراف يجب أن تلبس الزي الواقعي الجديد. الفرد منا الآن سيسأل نفسه سؤالا مثلا لم يكن يطرحه من قبل، هل الأفضل لي أن أسكن بيتا أصغر؟ سيكون طبيعيا أن يكون التفكير الآن هذا جادا، لتغير التكلفة الحتمية. والمجتمع يتبني مفاهيم ملائمة والحكومة ستمارس دورا واقعيا من خلال هذا الظرف وموضوعيته بحكم أن الناس فردا وفئات سيشاركون كلهم بواقع الأمة الجديد. حيث لا معطٍ لمفرده، ولا تصرف قاطع بمفرده.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي