رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التعايش بين الثقافات والأديان.. والتعامل مع الآخرين

يشهد العالم طلقات عنصرية موجعة ضد أديان أو ثقافات معينة أو حتى دول محددة، وهذا أمر متوقع ما دام العالم يعج بالمجانين والسكارى بكؤوس العنصرية العرقية أو الدينية أو الطائفية! لا أتوقع أن بإمكان المجتمع العالمي القضاء التام على مثل هؤلاء لأنهم موجودون على مدى الأزمان والعصور، ولكن يمكن التعامل معهم بعقل وحكمة، ومن ثم الحد من تأثيرهم، دون تضخيم وتعميم سلوكياتهم وأقوالهم واتهاماتهم للآخرين، أو النظر إليها على أنها تمثل مجتمعاتهم أو الأديان التي يدعون الانتماء لها.
فلو نظر الغرب إلى "القاعدة" أو "داعش" وأخواتهما على أنها مخلوقات هجينة لا تستمد مبادئها من الدين الإسلامي الحنيف الذي يتسم بالرحمة والرأفة ليس بالإنسان فقط، بل حتى بالحيوان، لفقدت قوتها المعنوية وأهميتها الشعبية، لذلك ينبغي أن يُنظر إلى "داعش" وأمثالها من قبل المسلمين (أولا) وغير المسلمين(ثانيا) على أنها سرطان ينهش في جسد الأمة الإسلامية ويشوه سمعة الإسلام.
بالمثل فإن تصريحات مرشح الرئاسة الأمريكي "دونالد ترمب" ومطالبته بمنع دخول المسلمين الولايات المتحدة تدل دلالة واضحة على أن الجنون والعنصرية ليست مقتصرة على عامة الناس، أو أقلهم تعليما، أو المتشددين دينيا، ولكنها تشمل رجال الأعمال والمرشحين السياسيين كذلك. ولا يقتصر الأمر على هؤلاء فقط، بل يشمل المتعلمين والأكاديميين في الجامعات. وهذا يقودنا إلى حقيقة مفادها أن الجنون و"التلوث الفكري" لا بلد ولا دين له، ولا يخص فئة تعليمية أو عرقية بعينها. وهذا ينطبق على جميع الثقافات في الشرق والغرب على حد سواء! والتاريخ الحديث يسجل حوادث إرهاب وحشية نفذها أشخاص ينتمون للمسيحية (مثل حادثة ويكو في تكساس) واليهودية (مثل مذابح صبرا وشاتيلا وحرب غزة)، والإسلام (مثل الجرائم الطائفية الوحشية في العراق والشام) والبوذية (مثل قتل واضطهاد المسلمين في بورما) وغيرها من الأديان غير السماوية الأخرى.
وفي هذا السياق، جاء إعلان الرياض عن التحالف الإسلامي ضد الإرهاب خطوة إلى الأمام لمحاربة الإرهاب والتطرف في كل بلد من البلدان الإسلامية بكافة السبل الدينية والثقافية والعسكرية، ففي هذا التحالف عديد من الإيجابيات، منها: تعزيز القناعات الفعلية لدى الحكومات والشعوب بخطورة الجماعات الإرهابية وضرورة محاربتها لحماية الشعوب من أخطارها وشرورها، كونها لا تمت للإسلام بصلة، ومن جهة أخرى يُرسل رسالة واضحة للشعوب غير الإسلامية بجدية الدول الإسلامية في نبذ الجماعات المتطرفة ومكافحة الفكر التكفيري.
وأسئلة المليون دولار كما يقولون هي: هل من المتوقع أن ينخفض مستوى الإرهاب في العالم عموما ومنطقتنا العربية خصوصا؟ ومتى؟ أي خلال سنوات أم عقود؟ في الحقيقة، لا أحد يمتلك الإجابة، ولكن لا يختلف اثنان في أن العالم في حاجة إلى إعادة هيكلة المنظمات الدولية، وتفعيلها، والتخفيف من سيطرة الدول العظمى دون غيرها، وكذلك التعامل مع القضايا الدولية المزمنة بمكيال واحد، أقصد القضية الفلسطينية، ومعاناة المسلمين في بورما، والباسك في شمال إسبانيا، والأكراد، والصراع المذهبي بين الشيعة والسنة.
ولكن السؤال المطروح: هل ستتخلى الدول العظمى صاحبة النفوذ عن نفوذها في سبيل إشاعة العدالة والسلام في العالم؟! الجواب: لا أعتقد! "فالنفوذ يُؤخذ ولا يُعطى"، ولكن يمكن تحقيق ذلك من خلال ثلاثة أمور لا رابع لهم: أولا: يقظة الشعوب النامية من سباتها العميق والسعي لنبذ الصراعات المذهبية التي تفتح الباب للتدخل الخارجي ثانيا: تبني "الديمقراطية" لقطع الطريق على بعض الأفراد والجماعات والطوائف التي تغلب مصالحها الشخصية والحزبية والمذهبية على المصالح الوطنية العليا، كما هو الحال في حالة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح على سبيل المثال، وكذلك وضع معمر القذافي الذي حكم ليبيا لسنوات طويلة دون أن يعمل على بناء مؤسسات الدولة، وذلك لضمان هيمنته على مقدرات المجتمع، وهذا هو السبب الرئيس لما آلت إليه ليبيا في الوقت الحاضر من ضياع وتفكك واقتتال. ثالثا: إعادة النظر في الخطاب الديني والعودة للقرآن والسنة مع تخفيف الانتماء المذهبي والتقريب فيما بين المذاهب الدينية.
ختاما، لا بد من الاعتراف بأن الإيمان بالتعايش بين الثقافات والأديان يقتضي أن نتعامل مع الآخرين كما نحب أن يعاملونا، وأن نعامل الآخرين بأخلاقنا وليس بأخلاقهم! ويقول المصطفى - عليه الصلاة والسلام - "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". ولا أظنك – عزيزي القارئ – تختلف معي في أن " اللطف هو اللغة التي يسمعها الأصم ويراها الأعمى".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي