أوائل الحكمة

أوائل الحكمة

عندما تقرأ قول الله: ?هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات..?. الآية، ترى أن الله سبحانه وتعالى أبان في هذه الآية أن الأحكام المضمنة في آي القرآن منها ما هو أصول ومقاصد وأمهات يتفرع عنها ما سواها من الأحكام، ومنها ما دون ذلك، وهذه المحكمات هي أصول الشريعة ومقاصدها، وصريح أحكامها، وعليها يدور مناط التكليف في الجملة، وهي التي يقصد معرفتها من جملة المكلفين، وهذا المعنى بين عند عامة الناظرين في علوم الشريعة في الجملة، ولكن الذي يخفى على قدر منهم أن هذا المعنى ينبغي أن يقصد إلى تحصيله في المسائل العلمية المنهجية، فإن جملة من الناظرين في علوم الشريعة تستهويهم متشابهات المسائل العلمية، وغرائب النكت والفوائد الفقهية، ويثقل عليهم مقام الضبط للقواعد وأصول المقاصد.
هذا مع قدر من التأخر يعرض للبعض عن ضبط أوائل العلوم، فضلاً عن تحقيق محكمات العلم ومقاصد الشريعة، ومثل هذا المنهج لا يورث علما راسخا، ومقاما من العلم فاضلا، وإنما غايته جملة من المسائل والنوادر تورث نوعا من المعرفة العامة، وقدرا من الفهم البسيط لكلام أهل العلم، ومما يعرض في هذا المقام ظن بعض طلبة العلم أن إدراك مثل هذه المسائل والنكت الغامضة هو غاية التحقيق والرسوخ العلمي.
عن الزهري قال: حدثت علي بن الحسين بحديث، فلما فرغت قال: أحسنت هكذا حدثناه، قلت: ما أراني إلا حدثتك بحديث أنت أعلم به مني، قال: لا تقل ذاك، فليس ما لا يُعرَفُ من العلم، إنما العلم ما عُرِفَ وتواطأت عليه الألسن.
وتحت هذه الكلمات يتبين أن هذا القدر من فهم السالفين من الأوائل مما ينبغي على أهل العلم، ومن له مقام في نشر العلم أن يقصد إلى تنبيه الطلبة إليه ، فمثل هذا الفهم الراسخ إذا أدركه من له عناية بالعلم الشرعي تحصل عنه قدر فاضل من فقه العلم، وحرص على تحصيل أصول الشريعة ومقاصدها، وإدراك لكلياتها، مما يورث انضباطا علميا، وبعدا عن الشذوذ، والله الهادي.

الأكثر قراءة