تصريف السيول .. وإدارة التنفيذ

منذ سنوات وفي موسم الأمطار تعاني بعض المدن مشكلة السيول، إذ تدهم الأحياء، والأسواق، ويتضرر بسببها الكثير من الناس، بل تزهق أرواح، وتهدر ممتلكات، وتنشغل الجهات الرسمية في إيجاد حلول عاجلة، وإن كانت بدائية، لا تليق ببلد كبلدنا أنعم الله عليه بالخيرات الوفيرة، ليست هذه المرة الأولى التي أكتب فيها عن السيول، ومشاكلها، وإن كنت قبل سنوات، وقبل سيول جدة الأولى، تناولت الموضوع من زاوية تخطيط المدن، الذي لا يأخذ في اعتباره الشعاب، والممرات الطبيعية للسيول، بل نبني داخلها، ونردمها، لتتحول إلى كارثة في حال نزول المطر، وكما يقول المثل، الماء يتبع مجاريه، لكننا قصرنا عن استيعاب هذه الحقيقة.
تناولي لهذا الموضوع، سيكون من خلال التفكير الإداري المنوط به، مثل هذه المشاريع الحيوية، والمهمة، والتي لا تقبل التأجيل، أو الأعذار، مهما كانت وجاهتها، ولعل المدخل الطبيعي للموضوع من خلال السؤال التالي، لماذا لا تنفذ مشاريع تصريف السيول، أو لماذا يؤجل تنفيذها؟! للإجابة عن هذا السؤال يستحسن أن نتقمص شخصية المسؤول، ونحاكي تفكيره لنتلمس الأسباب، والأعذار التي تحول بينه وبين تحقيق هذا الهدف. أول هذه الأسباب التي تحول دون تنفيذ المشاريع التفكير الإداري الأرجائي، حيث المسؤول لا يرى عجلة في الشروع في المشروع، بل ربما يعتقد أن المشروع إذا لم ينفذ هذه السنة، فما المشكلة، يمكن أن ينفذ بعد خمس سنين، أو عشر سنين، وهذا نمط تفكير يوجد عند البعض، وما من شك أن مثل هذا المدير بطريقة التفكير هذه يقتل المشاريع، ويقتل الجهاز الذي يقوم عليه بالكامل، ليتحول إلى جهاز مشلول، يدار بصورة بيروقراطية روتينية، حتى تضيع الفرص المتمثلة في الوفرة المالية، وكم من الأجهزة الحكومية التي أضاعت الفرص، ولم تستفد من الطفرة المالية الأولى التي مرت بها المملكة.
السبب الثاني، هو أن يعتقد المسؤول أن لا حاجة لمشروع تصريف السيول، معللا هذا التفكير بأن الأمطار في بلادنا نادرة، وقليلا ما تجري الأودية، ولذا فكرة مشاريع تصريف السيول ليست ضمن اهتماماته، ولا يأخذها في الحسبان عند إعداد ميزانية الجهة التي يديرها، ومثل هذا التفكير خاطئ من أساسه، إذ لا يمكن أن نتنبأ بهطول الأمطار من عدمها، والقاعدة الأساسية في الإدارة الناجحة أخذ الاحتياط في البنية التحتية.
السبب الثالث الذي يعطل تنفيذ المشاريع الفساد الإداري، والمالي الذي يتفشى في بعض الإدارات، حيث تخصص الأموال لكنها لا تصرف على المشاريع، بل تضل طريقها. في مثل هذا الواقع يفترض أن نسأل، أين الجهات الرقابية؟ وحتى لو تأخر المشروع بكامله، يمكن أن تتم تجزئته على سنوات تمتد، فترة طويلة، ما يحدث أضرارا بالغة نتيجة طول فترة التنفيذ، كما أن الإخلال بتنفيذ المشروع ليكون خلاف المواصفات الفنية يعتبر إحدى صور العبث في المشاريع، أما السبب الرابع فيتمثل في أن تنفيذ مشروع تصريف السيول قد يتسبب في ضياع مكاسب مالية يحققها متنفذون. يمثل موسم هطول الأمطار مناسبة للكسب، بتشغيل معداتهم لشفط المياه، وترحيلها، والتنظيف، ولذا لا يتحمسون لهذه المشاريع، بل يسعون لتعطيلها.
جمود تفكير بعض المديرين لا يسعفهم في إدراك النمو الكبير، والمتسارع الذي تشهده مدن ومناطق المملكة، لذا لا تساير مشاريع البنية التحتية هذا النمو، ما يحدث مشكلات عدة في الأحياء الجديدة التي لم تصلها مشاريع تصريف السيول لتكون ضحية التأخر في تنفيذ المشاريع. يضاف لما سبق أن تخطيط المدن لدينا يسير في نسق واحد، وربما تحذو الأمانات، والبلديات حذو بعض، أي تسير على الخطط نفسها دون اعتبار لطبيعة وتضاريس المدينة، وهذا ما يفسر التشابه في نوع ومستوى المشكلات التي تعانيها المدن.
إدارة الأمانات والبلديات تحتاج إلى إعادة نظر في اختيار القائمين عليها، وتأهيلهم، حتى تنفذ المشاريع بشكل صحيح يجنب الناس ما يقع عليهم من أضرار، ويرفع الحرج عن الجهاز الحكومي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي