رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«نظام الجمعيات الجديد» .. والتنمية الاقتصادية

كثير من رجال الأعمال السعوديين الذين من الله عليهم بالنجاح في أعمالهم وكونوا ثروات كبيرة يتجهون لخدمة مجتمعهم الذي ينتمون إليه وطنيا واجتماعيا وحققوا ثرواتهم من خلاله. ومن أهم أسباب منطلقاتهم في ذلك ما حثنا الدين الإسلامي الحنيف عليه في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية حيث حثنا على التكافل، والتعاون، والزكاة، والصدقات، والقرض الحسن ووعدنا بالأجر والمثوبة في الدارين ومن ذلك قوله سبحانه "مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" «البقرة» (245)، وقول رسوله الكريم "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل".
الكثير من هؤلاء الميسورين واجهوا مشاكل كثيرة وكبيرة أثناء مسيرتهم في خدمة المجتمع لعدة أسباب بعضها يتعلق بصعوبة إنشاء جمعيات أو مؤسسات خيرية في مسارات أعمال خيرية معينة يرغبون فيها على مستوى المملكة أو على مستوى منطقة محددة، وبعضها يتعلق بسوء إدارة الجمعيات الخيرية القائمة وسوء كفاءتها الإدارية والمالية وربما سوء نيات بعض القائمين عليها، وبعضها يتعلق بالمستفيدين من حيث تقاعس بعضهم وعدم رغبتهم في معالجة أوضاعهم للخروج من دائرة الفقر والعوز والحاجة إلى الآخرين لاستمراء بعضهم التسول والمال السهل دون تعب أو عناء، أو لتحول بعضهم من مرحلة التسول بسبب الحاجة إلى مرحلة النصب لتحقيق المزيد من الأموال السهلة. أيضا بعض رجال الأعمال والميسورين من أبناء المجتمع واجهوا حالات تبذير لأموالهم التي قدموها لرعاية أنشطة توعوية أو تنموية كالمهرجانات أو المؤتمرات أو المنتديات أو المعارض أو الاحتفالات أو الدورات التأهيلية كما واجهوا تحويل مصارف بعضها أو جلها لمصارف أخرى غير التي أنفقوا الأموال من أجلها.
كل هذه العوائق جعلت بعضهم يتقاعس ويتردد ما أضعف مساهمة منظومة العمل الخيري في دعم التنمية الاقتصادية ومن ثم التنمية الاجتماعية كما يجب وبما يتناسب والقدرات المالية المتوافرة لدى رجال الأعمال والميسورين واتجاهاتهم الإيجابية المنطلقة من عقيدتنا الإسلامية للإنفاق والتصدق بشكل مباشر على الأعمال الخيرية أو بشكل غير مباشر من خلال بناء "الأوقاف" التي تحبس أصولها وينفق من ريعها على المساحات الخيرية التي حددها الواقف.
إزالة العوائق لتفعيل العمل الخيري أمر حاسم في التنمية الاقتصادية خصوصا نحن ومعظم دول العالم نتجه بشكل متسارع نحو تبني سياسات الإصلاح الاقتصادي التي تعني التحول إلى اقتصاد السوق وإلى خصخصة المزيد من المؤسسات الاقتصادية ما يعني بالمحصلة تنامي دور القطاع الخيري نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وما يترتب عليها من تراجع في الخدمات الحكومية المجانية بعد اعتماد سياسة السوق الأمر الذي يزيد معاناة الفئات الضعيفة اقتصادياً لأي سبب كان.
وعادة ما تصاحب تبني اقتصاديات السوق والتوسع في تطبيقها مشكلة التقلبات الحادة في متغيرات الاقتصاد الكلي مثل معدلات النمو الاقتصادي والبطالة والتضخم والاستهلاك والاستثمار وغيرها التي تؤدي في بعض الأوقات إلى حالة من ضعف أو انعدام الاستقرار الاقتصادي الذي يؤدي بدوره إلى إضعاف الاستقرار السياسي والاستقرار الاجتماعي الأمر الذي يتطلب وجود جمعيات ومؤسسات خيرية قوية وفاعلة وعالية الكفاءة تستطيع أن تسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي في الظروف كافة. بالتالي فنحن بحاجة كبيرة إلى توفير المزيد من المحفزات وإزالة العوائق كافة التي تقف أمام رجال الأعمال والميسورين لتمكينهم من المساهمة في خدمة مجتمعهم في الظروف كافة وتحقيق مبدأ تراكمية المؤسسات والقدرات والأموال الخيرية فالأمر لم يعد موضوع مساهمة سطحية عابرة إنما موضوع مساهمة مستدامة عميقة الأثر.
بفضل من الله ثم جهود وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي ودعم وتوجيهات قيادتنا صدرت الموافقة على نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الجديد الذي أكد الوزير أنه دليل على اهتمام الدولة بتنمية الوطن والمواطن وتنظيم عمل الجمعيات والمؤسسات الخيرية ودعمها بكل ما من شأنه خدمة المجتمع حيث يتضمن هذا النظام أهدافاً تنموية واجتماعية تتمثل في تنظيم العمل الأهلي الخيري وتطويره وحمايته وزيادة منفعته، والمساهمة في التنمية الوطنية ومشاركة المواطن في إدارة المجتمع وتطويره.
من الجميل أن يأتي هذا النظام بالتزامن مع طرح وزارة الشؤون الاجتماعية رؤيتها "نحو التحول من الرعوية إلى التنموية" وهو توجه فكري تزايد في العقد الأخير لدى الكثير من رجال الأعمال ووضعوا خططهم للسير فيه ودعم الأسر لتحويلها من أسر معوزة إلى أسر منتجة قادرة على الاكتفاء بذاتها ودعم غيرها إلا أنه كما يبدو لي ما زال في بداية المسير خصوصا أن الكثير من هذه الأسر تحتاج كما أعتقد إلى تأهيل نفسي لإعادة تشكيل منظومتها القيمية والمفاهيمية كما أوضح لي الكثير ممن عمل معها حيث يميل الكثير من أفرادها للمال السهل الذي يأتي كمعونات دون تعب وعناء.
في المحصلة ونحن نتقدم بخطى ثابتة في تطوير اقتصاديات بلادنا والتحول نحو اقتصاديات السوق في إطار تحولات اقتصادية عالمية ومشاركة بلادنا في المنظمات والمنظومات العالمية مثل منظمة التجارة العالمية ومنظومة مجموعة العشرين وغيرها وما يترتب عليها من التزامات، يجب علينا أن نتقدم بشكل متزامن مع التطوير الاقتصادي في تطوير منظومة العمل الخيري بشكل خاص والمدني بشكل عام وها نحن نخطو خطوات سريعة في هذا المجال.
ختاما ومن أجل تفعيل نظام الجمعيات والمؤسسات الخيرية الجديد أتطلع إلى أن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بتنظيم حملة تعريفية وتوعوية للتعريف بالنظام ومواده وتفاصيله وما تقدمه الوزارة من خدمات ومميزات وذلك بالتعاون مع الغرف التجارية والمؤسسات الخيرية المانحة لحث رجال الأعمال والميسورين للمبادرة إلى خدمة المجتمع في المجالات التنموية كافة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي