عقد شراكة جديد
هناك لبس في العلاقة بين القطاعين العام والخاص، هذا اللبس أصبح عائقا للنهضة في تفعيل اقتصاد المملكة. أتحدث هنا عن الجزء الأكبر في القطاعين ولكن لا بد من التنويه بأن هناك شركات ورجال أعمال وموظفين على قدر من الاحترافية والمسؤولية. هناك نزعة في العقل الجمعي لدى القطاع العام أن القطاع الخاص لا يقوم بدوره وتساعده في ذلك نظرة شعبية سلبية تغذي النزعة الحكومية. ولكن أيضا هناك قطاعا خاصا تمرس على المال السهل من خلال تجارة مصدرها وكالة حصرية بالفعل وإن لم تكن مكفولة بالنظام. أو من خلال المتاجرة السهلة في الأراضي أو بالعقود الميسرة أو بتخفيف سياسة التوطين. مصدر اللبس هو تلك الفجوة بين قطاع عام أصبح رهينة عقلية غير خلاقة وغير شجاعة وقطاع خاص في أغلبه مدلل. كلاهما يلوم الآخر دون محاولة جادة لإيجاد الوسط المشترك الذي يخدم الاقتصاد الوطني.
هناك عدة أسباب لعدم الوصول إلى مستوى الاقتصاد المستدام. ولكن يصعب أن يتحقق نجاح دون علاقة صحية تعاونية تكاملية بين القطاعين. مظاهر اللبس كثيرة، أذكر بعضها. مرفق الأراضي الذي أصبح هاجسا للكثيرين حتى بعد القرارات الأخيرة. من منطلق اقتصادي بحت مصدر اللبس أننا لم نفرق بين الأراضي كعامل إنتاج وبين الأراضي كمصدر للمال السهل أو الصعب أحيانا أو الحاجة إلى الأراضي، المتماشي مع النمو الطبيعي للسكن والخدمات. أحد مظاهر اللبس يأتي في النظرة للتخصيص وكأنه مهرب عن شراكة حقيقية بين القطاعين تنظيميا وتفاعليا وكأنه غنيمة للقطاع الخاص وفرصة للتخلص منه تبعات المسؤولية العامة. مثال آخر في المشتريات الحكومية، فالقطاعات الحكومية في هذا الشأن واضحة ولكن هناك تقاعسا من الجهات الحكومية ذات العلاقة وضعفا في التنسيق بينهم، غالبا ما ينتهي القرار عند موظف مؤثر دون دور رسمي. مثال أخير صغير ومؤثر بحكم علاقاته الخارجية ونقل التقنية يتمثل في إدارة برنامج التوازن الاقتصادي الذي أصبح صندوقا أسود.
أسباب عدم فاعلية العقد المفترض كثيرة وتزداد بحسب شمولية نظرتنا للتنمية ولذلك لن ندخل هنا في دوائر واسعة ولكن نكتفي بالجوانب العملية. أعتقد أن الإشكالية تعود إلى عجز النخبة في بعض الإدارات الحكومية من ناحية وعدم المصارحة في كسر الجفاء في العلاقة بسبب الكسب السهل. فنحن لم نبذل الجهد الكافي في إعداد الكوادر القادرة في القطاع العام وما زلنا نمارس عدم التركيز كما يتضح من الجزء الأكبر من نظام الابتعاث. ولم نعط العلاقة بين القطاعين أهمية استراتيجية، بل إن العلاقة تبادلية نفعية قصيرة النظر ولذلك لم تحقق تراكما معرفيا وتصاعدا في الثقة. حين تلجأ الحكومة إلى زيادة عدد الموظفين فهي ترفع التكاليف المجتمعية ويفقد بها القطاع الخاص التنافس البشري ورفع الإنتاجية، هذه إحدى أهم نواحي إدارة العلاقة صحيا. هناك حاجة إلى المنافسة وهناك حاجة بالقدر نفسه إلى حماية المواطن من الهجرة الاقتصادية.
ما الحل؟
عادة يبدأ تكوين رأس المال الحقيقي (المادي والتنظيمي والمعرفي) حين يكون هناك إنجاز حقيقي في أحد هذه المجالات ومواصلة مشوار النجاح مهما بدأت الشكوك والقيل والقال. أحيانا يحدث ذلك حين يأخذ شخص "قوي أمين" على عاتقه تحقيق اختراق بدعم سيادي. لعل أفضل ميدان لهذا الاختراق هو مرفق الأراضي. حل إشكالية الأراضي تخطيطي ولكن هذا لا يكفي - الحل في تفعيل معادلة العرض المحبوسة بينما معادلة الطلب في تنام. معادلة العرض تتغير بوسائل عديدة منها الرسم وأحيانا التخصيص وأحيانا مساعدة التطوير، نحن في حاجة إلى كل هذه الوسائل بخلطة إبداعية ورؤية متماسكة، تهدف إلى تحريك رأس المال. روح التعاون ومادته بين رأس المال والقطاعات البشرية. الحديث عن التخصيص ركن مهم في العلاقة ولذلك سوف نناقشه في عمود الأسبوع المقبل.